للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مَقْبُولٌ فِي الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِعِدَّتِهَا مِنْ غَيْرِهَا، وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّتْ بِالْبُلُوغِ يُقْبَلُ إقْرَارُهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَمَّا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ فَقَدْ ظَهَرَ كَذِبُهَا فِي إقْرَارِهَا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَأُلْحِقَ إقْرَارُهَا بِالْعَدَمِ.

وَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهَا فِي إقْرَارِهَا لِجَوَازِ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَهَذَا الْوَلَدُ مِنْهُ، وَالطَّلَاقُ الْبَائِنُ وَالرَّجْعِيُّ فِي هَذَا الْوَجْهِ سَوَاءٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَكِنَّهَا أَقَرَّتْ بِالْحَمْلِ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا يَثْبُتُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا أَقَرَّتْ بِالْحَمْلِ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَقَدْ حَكَمْنَا بِبُلُوغِهَا فَصَارَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْبَالِغَةِ فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِالْعُلُوقِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ فِي الْعِدَّةِ وَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَالْمُعْتَدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ إذَا عَلِقَتْ فِي الْعِدَّةِ يَصِيرُ الزَّوْجُ مُرَاجِعًا لَهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا لَهَا، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: سُكُوتُهَا كَإِقْرَارِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنَّهَا إنْ جَاءَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: سُكُوتُهَا كَإِقْرَارِهَا بِالْحَمْلِ أَوْ دَعْوَى الْحَمْلِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا يَثْبُتُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا.

وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمُرَاهِقَةَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَبِلَتْ وَلَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ فَمَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَا يُحْكَمُ بِالِانْقِضَاءِ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَلَهُمَا أَنَّ عِدَّةَ الصَّغِيرَةِ ذَاتُ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَصْلِ إذْ الْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ الْبُلُوغِ فَكَانَ انْقِضَاؤُهَا بِانْقِضَاءِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كَإِقْرَارِهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَلَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَانَ الْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا.

كَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِمُضِيِّ الشُّهُورِ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا ذَاتُ جِهَتَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِالشُّهُورِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَمَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّة لَا يُحْكَمُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْتَهُ فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ مِنْ أَسْبَابِ الْفُرْقَةِ.

وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ وَلَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ الزَّوْجِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.

وَقَالَ زُفَرُ: إذَا لَمْ تَدَّعِ الْحَمْلَ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ ثُمَّ جَاءَتْ بِهِ لِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ.

وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا هِيَ الْأَشْهُرُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَمْلِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْحَمْلِ فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَصَارَ كَأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُنَاكَ لَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ يَثْبُتُ النَّسَبُ.

وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَا يَثْبُتُ كَذَا هَذَا، وَلِهَذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الصَّغِيرَةِ مَا وَصَفْنَا كَذَا فِي الْكَبِيرَةِ.

وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ذَاتُ جِهَتَيْنِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ فَمَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَا يُحْكَمُ بِالِانْقِضَاءِ كَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا يَثْبُتُ لِمَا مَرَّ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّ عِدَّتَهَا ذَاتُ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عَدَمُ الْحَبَلِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يُحْتَمَلُ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَحَلًّا بِالْبُلُوغِ وَفِيهِ شَكٌّ فَيَبْقَى حُكْمُ الْأَصْلِ، فَأَمَّا عِدَّةُ الْكَبِيرَةِ فَذَاتُ جِهَتَيْنِ لِمَا قَرَّرْنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ وَالتَّرَدُّدِ فَلَا يُحْكَمُ بِالِانْقِضَاءِ بِالْأَشْهُرِ مَعَ الِاحْتِمَالِ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّتْ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ عِنْدَنَا.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَثْبُتُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ.

وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ فَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً فَحُكْمُهَا فِي الْفَوَاتِ مَا هُوَ حُكْمُهَا فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفِرَاقِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ إذَا جَاءَتْ الْمُعْتَدَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>