للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْوِلَادَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ.

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالْوَفَاةِ بَاقٍ فِي حَقِّ الْفِرَاشِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى الْوِلَادَةِ وَتَعْيِينِ الْوَلَدِ وَذَلِكَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْفِرَاشَ لَا يَبْقَى بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِجَمِيعِ عَلَائِقِهِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْوِلَادَةِ وَتَصِيرُ أَجْنَبِيَّةً، فَكَانَ الْقَضَاءُ بِثُبُوتِ الْوِلَادَةِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ قَضَاءً بِثُبُوتِ النَّسَبِ لِوَلَدِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي الْوِلَادَةِ.

وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ لَهَا قَابِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا تَثْبُتُ الْوِلَادَةُ بِدُونِ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ، وَالْكَلَامُ فِي الطَّرَفَيْنِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي ذَكَرْنَا.

وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَسَوَّى بَيْنَ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَجْنَبِيَّةٌ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا فَلَا تُصَدَّقُ عَلَى الْوِلَادَةِ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ مُقِرًّا بِالْحَبَلِ وَلَا كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا.

وَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا.

وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ وَأَتَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ بَعْدَ وَفَاتِهِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوِلَادَةِ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى الْوِلَادَةِ أَحَدٌ لَا الْقَابِلَةُ وَلَا غَيْرُهَا وَلَكِنْ صَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ فِي أَنَّهَا وَلَدَتْهُ، ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِقَوْلِهِمْ.

وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ يَثْبُتُ إنْ كَانَ وَرَثَتُهُ ابْنَيْنِ أَوْ ابْنًا وَبِنْتَيْنِ، وَاخْتِلَافُ الْعِبَارَتَيْنِ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ ثُبُوتَ نَسَبِهِ بِتَصْدِيقِهِمْ مِنْ طَرِيقِ الشَّهَادَةِ أَوْ مِنْ طَرِيقِ الْإِقْرَارِ، فَمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الشَّهَادَةِ حَيْثُ شُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْوَرَثَةُ ابْنَيْنِ أَوْ ابْنًا وَبِنْتَيْنِ.

وَمَا ذَكَرْنَا فِي الْجَامِعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فَصَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ، وَالشَّهَادَةُ لَا تُسَمَّى تَصْدِيقًا فِي الْعُرْفِ

وَكَذَا الْحَاجَةُ إلَى الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ، وَلَا مُنَازِعَ هَهُنَا وَمِنْ هَذَا إنْشَاءُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ مَشَايِخِنَا فَاعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ التَّصْدِيقَ مِنْهُ شَهَادَةً وَبَعْضُهُمْ إقْرَارًا، فَمِنْ اعْتَبَرَهُ شَهَادَةً قَالَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَمَجْلِسُ الْحُكْمِ، وَإِذَا صَدَّقَهَا الْبَعْضُ وَجَحَدَ الْبَعْضُ؛ فَإِنْ صَدَّقَهَا رَجُلَانِ مِنْهُمْ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ يُشَارِكُ الْوَلَدُ الْمُقِرِّينَ مِنْهُمْ وَالْمُنْكِرِينَ جَمِيعًا مِنْهُمْ فِي الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ فَكَانَتْ حُجَّةً عَلَى الْكُلِّ فَيَظْهَرُ نَسَبُهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَمَنْ اعْتَبَرَهُ إقْرَارًا قَالَ يَثْبُتُ نَسَبُهُ إذَا صَدَّقَهَا جَمِيعُ الْوَرَثَةِ سَوَاءٌ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا وَلَا يُرَاعَى لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَمَجْلِسُ الْحُكْمِ فَإِذَا صَدَّقَهَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَجَحَدَ الْبَاقُونَ يَثْبُتُ نَسَبُهُ فِي حَقِّهِمْ وَيُشَارِكُهُمْ فِي نَصِيبِهِمْ مِنْ الْمِيرَاثِ وَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمْ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمْ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ.

وَمِنْ هَذَا أَيْضًا إنْشَاءُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا فَصَدَّقَهَا فِي الْوِلَادَةِ فَقَالَ الْكَرْخِيُّ: إنَّ نَسَبَهُ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا.

وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِيهِ الِاخْتِلَافَ فَقَالَ: لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَثْبُتُ كَأَنَّهُمَا اعْتَبَرَا قَوْلَهُ شَهَادَةً، وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ لَا تُقْبَلُ وَاعْتَبَرَهُ أَبُو يُوسُفَ إقْرَارًا وَإِقْرَارُ الْفَرْدِ مَقْبُولٌ، هَذَا إذَا صَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ الزَّوْجَ إذَا لَمْ يَكُنْ أَقَرَّ بِالْحَمْلِ وَلَا كَانَ الْحَمْلُ ظَاهِرًا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْوِلَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا تَثْبُتُ الْوِلَادَةُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا وَلَدْتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.

(رَجُلٌ) قَالَ لِغُلَامٍ هَذَا ابْنِي ثُمَّ مَاتَ فَجَاءَتْ أُمُّ الْغُلَامِ فَقَالَتْ أَنَا امْرَأَتُهُ، لَا شَكَّ أَنَّ الْغُلَامَ يَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ، وَهَلْ تَرِثُهُ هَذِهِ أَمْ لَا؟ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهَا تَرِثُهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا الْمِيرَاثُ.

(وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أُمُّ الْغُلَامِ حُرَّةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَمَةً، وَلَوْ كَانَتْ حُرَّةً فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَهَا، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَطِئَهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَيُحْتَمَلُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ بِشُبْهَةِ نِكَاحٍ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي الْإِرْثِ فَلَا تَرِثُ بِالشَّكِّ.

(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْإِرْثِ فِي حَقِّهَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ بِنَسَبِ الْوَلَدِ وَهُوَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي امْرَأَةٍ مَعْرُوفَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>