للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْحُرِّيَّةِ وَبِأُمُومَةِ هَذَا الْوَلَدِ فَإِذَا أَقَرَّ بِنَسَبِ الْوَلَدِ أَنَّهُ مِنْهُ وَالنَّسَبُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْفِرَاشِ.

وَالْأَصْلُ فِي الْفِرَاشِ هُوَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ فَكَانَ دَعْوَى نَسَبِ الْوَلَدِ إقْرَارًا مِنْهُ أَنَّهُ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَإِذَا صَدَّقَهَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ ظَاهِرًا فَتَرِثُهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ فَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً بِذَلِكَ وَأَنْكَرَتْ الْوَرَثَةُ كَوْنَهَا حُرَّةً أَوْ أُمًّا لَهُ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَبْقَى مُحْتَمِلًا فَلَا تَرِثُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِحَالِ قِيَامِ الْعِدَّةِ عَنْ الطَّلَاقِ مِنْ الْأَحْكَامِ.

مِنْهَا الْإِرْثُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ لَا تَخْلُو إمَّا إنْ كَانَتْ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ وَإِمَّا إنْ كَانَتْ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ وَالْحَالُ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَتْ حَالَ الصِّحَّةِ وَإِمَّا إنْ كَانَتْ حَالَ الْمَرَضِ فَإِنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَمَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَرِثَهُ الْآخَرُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ فِي حَالِ الْمَرَضِ أَوْ فِي حَالِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ مِنْهُ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ فَكَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَائِمَةً مِنْ وَجْهٍ وَالنِّكَاحُ الْقَائِمُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ رِضَاهَا أَوْ بِرِضَاهَا فَإِنَّ مَا رَضِيَتْ بِهِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِبُطْلَانِ النِّكَاحِ حَتَّى يَكُونَ رِضًا بِبُطْلَانِ حَقِّهَا فِي الْمِيرَاثِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً مُسْلِمَةً وَقْتَ الطَّلَاقِ أَوْ مَمْلُوكَةً أَوْ كِتَابِيَّةً ثُمَّ أُعْتِقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَا دَامَتْ الْعِدَّةُ قَائِمَةً وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ.

وَإِنْ كَانَتْ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَرِثْهُ صَاحِبُهُ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بِرِضَاهَا أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَإِنْ كَانَ فِي حَالِ الْمَرَضِ فَإِنْ كَانَ بِرِضَاهَا لَا تَرِثُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ رِضَاهَا فَإِنَّهَا تَرِثُ مِنْ زَوْجِهَا عِنْدَنَا.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَرِثُ.

وَمَعْرِفَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ وَشَرْطِ الِاسْتِحْقَاقِ وَوَقْتِهِ أَمَّا السَّبَبُ فَنَقُولُ: لَا خِلَافَ أَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ فِي حَقِّهَا النِّكَاحُ فَإِنَّ اللَّهَ ﷿ أَدَارَ الْإِرْثَ فِيمَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ بِقَوْلِهِ ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ﴾ [النساء: ١٢] إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مِنْ مِيرَاثِ الزَّوْجَيْنِ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ فِي الشَّرْعِ ثَلَاثَةٌ لَا رَابِعَ لَهَا: الْقَرَابَةُ وَالْوَلَاءُ وَالزَّوْجِيَّةُ، وَاخْتُلِفَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُصَيِّرُ النِّكَاحَ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ وَقْتُ الْمَوْتِ فَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا وَقْتَ الْمَوْتِ ثَبَتَ الْإِرْثُ وَإِلَّا فَلَا.

وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وَقْتُ مَرَضِ الْمَوْتِ، وَالنِّكَاحُ كَانَ قَائِمًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِنْ أَوَّلِ مَرَضِ الْمَوْتِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إبْقَائِهِ مِنْ وَجْهٍ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ لِيَصِيرَ سَبَبًا.

وَتَفْسِيرُ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَهُمْ هُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِلْوَارِثِ مِنْ وَقْتِ الْمَرَضِ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ، وَمِنْ وَجْهٍ وَقْتُ الْمَوْتِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ وَهُوَ طَرِيقُ الِاسْتِنَادِ، وَهُمَا طَرِيقَتَا مَشَايِخِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ طَرِيقُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ إنَّ النِّكَاحَ الْقَائِمَ وَقْتَ مَرَضِ الْمَوْتِ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ هُوَ ثُبُوتُ حَقِّ الْإِرْثِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ أَصْلًا لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا مِنْ وَجْهٍ.

(وَجْهُ) قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِرْثَ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ قَبْلَ الْمَوْتِ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ بِدَلِيلِ نَفَاذِ تَصَرُّفَاتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ السَّبَبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَلَا سَبَبَ هَهُنَا إلَّا النِّكَاحُ وَقَدْ زَالَ بِالْإِبَانَةِ وَالثَّلَاثِ فَلَا يَثْبُتُ الْإِرْثُ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا يَرِثُ الزَّوْجُ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ لَوَرِثَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ لَا تَقُومُ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَدَلَّ أَنَّهَا زَائِلَةٌ.

وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالْمَعْقُولُ: أَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ وَلَا يَخْتَلِفُونَ مَنْ فَرَّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى رُدَّ إلَيْهِ أَيْ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ.

وَهَذَا مِنْهُ حِكَايَةٌ عَنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَمِثْلُهُ لَا يَكْذِبُ.

وَكَذَا رُوِيَ تَوْرِيثُ امْرَأَةِ الْفَارِّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، مِثْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ إلَى شُرَيْحٍ بِخَمْسِ خِصَالٍ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ مِنْهُنَّ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ ثَلَاثًا وَرِثَتْ مِنْهُ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا

وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ أُمَّ الْبَنِينَ بِنْتَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ كَانَتْ تَحْتَ عُثْمَانَ فَلَمَّا اُحْتُضِرَ طَلَّقَهَا، وَقَدْ كَانَ أَرْسَلَ إلَيْهَا بُشْرَى فَلَمَّا قُتِلَ أَتَتْ عَلِيًّا فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ عَلِيٌّ تَرَكَهَا حَتَّى إذَا أَشْرَفَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>