الْمَوْتِ طَلَّقَهَا، فَوَرَّثَهَا.
وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تُمَاضِرَ الْكَلْبِيَّةَ فِي مَرَضِهِ آخِرَ تَطْلِيقَاتِهَا الثَّلَاثِ وَكَانَتْ تَحْتَهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ أُخْتُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ ﵁ وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ مَا أَتَّهِمُهُ وَلَكِنْ لَا أُرِيدَ أَنْ تَكُونَ سُنَّةً.
وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ: إنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا وَهُوَ مَرِيضٌ تَرِثُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ تَرِثُهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ فَإِنْ قِيلَ إنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ مُخَالِفٌ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي قِصَّةِ تُمَاضِرَ وَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ﵁ وَلَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُوَرِّثْهَا فَكَيْفَ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْخِلَافَ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: لَوْ كُنْت أَنَا لَمَا وَرَّثْتُهَا أَيْ عِنْدِي أَنَّهَا لَا تَرِثُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَيْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَالصَّوَابِ مَا لَوْ كُنْت مَكَانَهُ لَكَانَ لَا يَظْهَرُ لِي فَكَانَ تَصْوِيبًا لَهُ فِي اجْتِهَادِهِ وَأَنَّ الْحَقَّ فِي اجْتِهَادِهِ فَلَا يَثْبُتُ الِاخْتِلَافُ مَعَ الِاحْتِمَالِ بَلْ حَمْلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فِيهِ تَحْقِيقُ الْمُوَافَقَةِ أَوْلَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ سَأَلَتْ الطَّلَاقَ فَرَأَى عُثْمَانُ ﵁ تَوْرِيثَهَا مَعَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ فَيَرْجِعُ قَوْلُهُ: لَوْ كُنْت أَنَا لَمَا وَرَّثْتُهَا إلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ فَلَمَّا وَرَّثَهَا عُثْمَانُ ﵁ مَعَ مَسْأَلَتِهَا الطَّلَاقَ فَعِنْدَ عَدَمِ السُّؤَالِ أَوْلَى عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ ﵁ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي وِلَايَتِهِ وَقَدْ كَانَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ قَبْلَهُ مِنْهُمْ عَلَى التَّوْرِيثِ فَخِلَافُهُ بَعْدَ وُقُوعِ الِاتِّفَاقِ مِنْهُمْ لَا يَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ وُجِدَ مَعَ شَرَائِطِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَلَا كَلَامَ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَشَرَائِطِهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي وَقْتِ الِاسْتِحْقَاقِ فَنَقُولُ: وَقْتُ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ أَمَّا عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ النَّصُّ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ﵃ وَدَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولُ: أَمَّا النَّصُّ فَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً عَلَى أَعْمَالِكُمْ» أَيْ تَصَدَّقَ بِاسْتِيفَاءِ مِلْكِكُمْ عَلَيْكُمْ فِي ثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً عَلَى أَعْمَالِكُمْ أَخْبَرَ عَنْ مِنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ أَنَّهُ اسْتَبْقَى لَهُمْ الْمِلْكَ فِي ثُلُثِ أَمْوَالِهِمْ لِيَكُونَ وَسِيلَةً إلَى الزِّيَادَةِ فِي أَعْمَالِهِمْ بِالصَّرْفِ إلَى وُجُوهِ الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يَخْرُجُ مَخْرَجَ الْإِخْبَارِ عَنْ الْمِنَّةِ، وَآخِرُ أَعْمَارِهِمْ مَرَضُ الْمَوْتِ فَدَلَّ عَلَى زَوَالِ مِلْكِهِمْ عَنْ الثُّلُثَيْنِ إذْ لَوْ لَمْ يَزَلْ لَمْ يَكُنْ لِيَمُنَّ عَلَيْهِمْ بِالتَّصَدُّقِ بِالثُّلُثِ بَلْ بِالثُّلُثَيْنِ إذْ الْحَكِيمُ فِي مَوْضِعِ بَيَانِ الْمِنَّةِ لَا يَتْرُكُ أَعْلَى الْمِنَّتَيْنِ وَيَذْكُرُ أَدْنَاهُمَا، وَإِذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الثُّلُثَيْنِ يَئُولُ إلَى وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ فَيَرْضَى بِالزَّوَالِ إلَيْهِمْ لِرُجُوعِ مَعْنَى الْمِلْكِ إلَيْهِ بِالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ وَأَنْوَاعِ الْخَيْرِ بِخِلَافِ الْأَحَادِيثِ.
وَأَمَّا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ﵃ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ﵁ أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لِعَائِشَةَ ﵂: إنِّي كُنْت نَحَلْتُكِ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي بِالْعَالِيَةِ وَإِنَّكِ لَمْ تَكُونِي حُزْتِيهِ وَلَا قَبَضْتِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ وَلَمْ تَدَّعِ عَائِشَةَ ﵂ وَلَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ﵃ فَيَكُونُ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ مَالَ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يَصِيرُ مِلْكَ الْوَارِثِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ.
وَأَمَّا دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ فَهِيَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ تَبَرُّعُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ، وَفِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لَا يَنْفُذُ بِشَيْءٍ أَصْلًا وَرَأْسًا حَتَّى كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَوْهُوبَ مِنْ يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ إذَا لَمْ يَدْفَعْ الْقِيمَةَ وَلَوْ نَفَذَ لَمَا كَانَ لَهُمْ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فَدَلَّ عَدَمُ النَّفَاذِ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَإِذَا زَالَ يَزُولُ إلَى الْوَرَثَةِ لِمَا بَيَّنَّا وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ الْمَالَ الْفَاضِلَ عَنْ حَاجَةِ الْمَيِّتِ يُصْرَفُ إلَى الْوَرَثَةِ بِلَا خِلَافٍ وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا فَضَلَ وَوَقَعَ مِنْ وَقْتِ الْمَرَضِ الْفَرَاغُ عَنْ حَوَائِجِ الْمَيِّتِ فَهَذِهِ الدَّلَائِلُ تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِلْوَارِثِ فِي الْمَالِ الْفَاضِلِ عَنْ حَوَائِجِ الْمَيِّتِ فَيَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ لَا مَحَالَةَ.
وَأَمَّا عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّالِثِ وَهُوَ ثُبُوتُ حَقِّ الْمِلْكِ رَأْسًا فَلِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ: أَمَّا دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ فَهُوَ أَنْ يُنْقَضَ تَبَرُّعُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَوْلَا تَعَلُّقُ حَقِّ الْوَارِثِ بِمَالِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَكَانَ التَّبَرُّعُ تَصَرُّفًا مِنْ أَهْلٍ فِي مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ لَا حَقَّ لِلْغَيْرِ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْقَضَ فَدَلَّ حَقُّ النَّقْضِ عَلَى تَعَلُّقِ الْحَقِّ.
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ النِّكَاحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute