حَالَ مَرَضِ الْمَوْتِ صَارَ وَسِيلَةً إلَى الْإِرْثِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَوَسِيلَةُ حَقِّ الْإِنْسَانِ حَقُّهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ وَالطَّلَاقُ الْبَائِنُ وَالثَّلَاثُ إبْطَالٌ لِهَذِهِ الْوَسِيلَةِ فَيَكُونُ إبْطَالًا لِحَقِّهَا وَذَلِكَ إضْرَارٌ بِهَا فَيُرَدُّ عَلَيْهِ، وَيَلْحَقُ بِالْعَدَمِ فِي حَقِّ إبْطَالِ الْإِرْثِ فِي الْحَالِ عَمَلًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» فَلَمْ يَعْمَلْ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ فِي إبْطَالِ سَبَبِيَّةِ النِّكَاحِ لِاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ وَكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا وَتَأَخُّرِ عَمَلِهِ فِيهِ إلَى مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَبَانَهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ بِأَنْ اخْتَارَ نَفْسَهُ، وَتَقْبِيلِ ابْنَتِهَا أَوْ أُمِّهَا وَرِدَّتِهِ أَنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الصِّحَّةِ لَا تَرِثُ هِيَ مِنْهُ وَلَا هُوَ مِنْهَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا لَوْ أَبَانَهَا بِالطَّلَاقِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي وَقْتِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ إلَّا فِي الرِّدَّةِ بِأَنْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ فَمَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ مِنْ الزَّوْجِ فِي مَعْنَى مَرَضِ الْمَوْتِ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ فِي حَالِ الْمَرَضِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ أَنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَا يَرِثُ هُوَ مِنْهَا بِالْإِجْمَاعِ.
وَلَوْ جَامَعَهَا ابْنُهُ مُكْرَهَةً أَوْ مُطَاوِعَةً لَا تَرِثُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُطَاوِعَةً فَلِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً فَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ إبْطَالُ حَقِّهَا الْمُتَعَلِّقِ بِالْإِرْثِ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْبَيُونَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ كَمَا إذَا قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا أَوْ أَبَاهُ بِشَهْوَةٍ طَائِعَةً أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي خِيَارِ الْإِدْرَاكِ أَوْ الْعَتَاقِ أَوْ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ فَإِنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا إذَا كَانَتْ الْبَيُونَةُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، وَكَذَا إذَا ارْتَدَّتْ بِخِلَافِ رِدَّةِ الزَّوْجِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ رِدَّةَ الزَّوْجِ فِي مَعْنَى مَرَضِ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى الْمَوْتِ إلَّا أَنَّ احْتِمَالَ الصِّحَّةِ بِاحْتِمَالِ الْإِسْلَامِ قَائِمٌ فَإِذَا قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ مَاتَ عَلَيْهَا فَقَدْ زَالَ الِاحْتِمَالُ، وَكَذَا إذَا أُلْحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ فَتَقَرَّرَ الْمَرَضُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ كَانَ ثَابِتًا فِي وَقْتِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ وَأَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ وُجِدَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَتَرِثُ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا حَقِيقَةً فَأَمَّا رِدَّتُهَا فَلَيْسَتْ فِي مَعْنَى مَرَضِ مَوْتِهَا لِيُقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ الزَّوْجُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَتْ هِيَ لَا تَرِثُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا فَلَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ الْقَائِمُ حَالَ رِدَّتِهَا سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ فِي حَقِّهِ لِانْعِدَامِهِ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ لِذَلِكَ افْتَرَقَا، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَإِنْ كَانَ فِي حَالِ الْمَرَضِ فَإِنْ كَانَ فِي حَالِ مَرَضِ الزَّوْجِ لَا تَرِثُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ لِعَدَمِ شَرْطِ الْإِرْثِ وَهُوَ عَدَمُ رِضَاهَا بِسَبَبِ الْفُرْقَةِ وَلِحُصُولِ الْفُرْقَةِ بِفِعْلِ غَيْرِ الزَّوْجِ، وَيَرِثُ الزَّوْجُ مِنْهَا إنْ كَانَ سَبَبُ الْفُرْقَةِ مِنْهَا فِي مَرَضِهَا وَمَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِوُجُوبِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ النِّكَاحُ فِي وَقْتِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ مَرَضُ مَوْتِهَا وَلِوُجُودِ سَبَبِ إبْطَالِ حَقِّهِ مِنْهَا فِي حَالِ الْمَرَضِ، وَالْقِيَاسُ فِيمَا إذَا ارْتَدَّتْ فِي مَرَضِهَا ثُمَّ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ أَنْ لَا يَرِثَهَا زَوْجُهَا وَإِنَّمَا يَرِثُهَا اسْتِحْسَانًا.
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَقَعْ بِفِعْلِهَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا الرِّدَّةَ وَالْفُرْقَةَ لَا تَقَعُ بِهَا وَإِنَّمَا تَقَعُ بِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ وَلَا صَنِيعَ لَهَا فِي ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا فِي مَرَضِهَا إبْطَالُ حَقِّ الزَّوْجِ لِيَرُدَّ عَلَيْهَا فَلَا يَرِثُ مِنْهَا.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرْنَا وَلَسْنَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَقَعْ بِفِعْلِهَا فَإِنَّ الرِّدَّةَ مِنْ أَسْبَابِ الْفُرْقَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ مِنْهَا فِي حَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْإِرْثِ وَهُوَ مَرَضُ مَوْتِهَا فَيَرِثُ مِنْهَا وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا شَرَائِطُ الِاسْتِحْقَاقِ فَنَوْعَانِ: نَوْعٌ يَعُمُّ أَسْبَابَ الْإِرْثِ كُلِّهَا، وَنَوْعٌ يَخُصُّ النِّكَاحَ أَمَّا الَّذِي يَعُمُّ الْأَسْبَابَ كُلَّهَا فَمِنْهَا شَرْطُ الْأَهْلِيَّةِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَارِثُ مَمْلُوكًا وَلَا مُرْتَدًّا وَلَا قَاتِلًا، فَلَا يَرِثُ الْمَمْلُوكُ وَلَا الْمُرْتَدُّ مِنْ أَحَدٍ وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ مِنْ الْمَقْتُولِ، وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ تُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ الْأَهْلِيَّةِ مِنْهَا وَقْتَ الطَّلَاقِ وَدَوَامُهَا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً أَوْ كِتَابِيَّةً وَقْتَ الطَّلَاقِ لَا تَرِثُ وَإِنْ أُعْتِقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَنْعَقِدُ مُفِيدًا لِلْحُكْمِ بِدُونِ شَرْطِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَقْتُ صَيْرُورَةِ النِّكَاحِ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا فَلَا يُعْتَبَرُ حُدُوثُ الْأَهْلِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلَوْ كَانَتْ مُسْلِمَةً وَقْتَ الطَّلَاقِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا.
وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ وَقْتَ الطَّلَاقِ أَمَّا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فَلِأَنَّ الْحُكْمَ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ السَّبَبِ مِنْ وَجْهٍ عِنْدَهُ لِيَثْبُتَ ثُمَّ يَسْتَنِدَ وَقَدْ بَطَلَ بِالرِّدَّةِ رَأْسًا