للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَزْلَهُ عَنْهُ بِأَنْ مَلَّكَهُ الطَّلَاقَ لَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى فَسْخِهِ بَعْدَ مَرَضِهِ صَارَ الْإِيقَاعُ فِي الْمَرَضِ كَالْإِيقَاعِ فِي الصِّحَّةِ.

وَإِنْ كَانَ التَّفْوِيضُ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُ الْعَزْلُ عَنْهُ فَطَلَّقَ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمْكَنَهُ عَزْلُهُ بَعْدَ مَرَضِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَصَارَ كَأَنَّهُ أَنْشَأَ التَّوْكِيلَ فِي الْمَرَضِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ غَيْرِ لَازِمٍ أَنْ يَكُونَ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَاَللَّهُ ﷿ الْمُوَفِّقُ.

وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ فِي صِحَّتِهِ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَمْ يَأْتِهَا حَتَّى مَاتَ وَرِثَتْهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِعَدَمِ إتْيَانِهِ الْبَصْرَةَ فَلَمَّا بَلَغَ إلَى حَالَةٍ وَقَعَ الْيَأْسُ لَهُ عَنْ إتْيَانِهِ الْبَصْرَةَ فَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَدَمُ وَهُوَ مَرِيضٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَقَدْ بَاشَرَ شَرْطَ بُطْلَانِ حَقِّهَا فِي الْمِيرَاثِ فَصَارَ فَارًّا فَتَرِثُهُ.

وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ وَبَقِيَ الزَّوْجُ وَرِثَهَا؛ لِأَنَّهَا مَاتَتْ وَهِيَ زَوْجَتُهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ شَرْطِ الْوُقُوعِ وَهُوَ عَدَمُ إتْيَانِهِ الْبَصْرَةَ لِجَوَازِ أَنْ يَأْتِيَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ فَمَاتَتْ وَهِيَ زَوْجَتُهُ فَيَرِثُهَا.

وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَأْتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَمْ تَأْتِهَا حَتَّى مَاتَ الزَّوْجُ وَرِثَتْهُ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ زَوْجُهَا لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِانْعِدَامِ شَرْطِ وُقُوعِهِ؛ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ حَيَّةً يُرْجَى مِنْهَا الْإِتْيَانُ وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ وَبَقِيَ الزَّوْجُ لَمْ يَرِثْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا سَبَبُ الْفُرْقَةِ فِي مَرَضِهَا فَلَمْ تَصِرْ فَارَّةً فَلَا يَرِثُهَا.

وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَمْ يُطَلِّقْهَا حَتَّى مَاتَ وَرِثَتْهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطِ عَدَمِ التَّطْلِيقِ مِنْهُ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَدَمُ إذَا صَارَ إلَى حَالَةٍ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ التَّطْلِيقُ وَهُوَ مَرِيضٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَصِيرُ فَارًّا بِمُبَاشَرَةِ شَرْطِ بُطْلَانِ حَقِّهَا فَتَرِثُهُ.

وَلَوْ مَاتَتْ هِيَ وَبَقِيَ الزَّوْجُ لَمْ يَرِثْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ فَارَّةً لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْفُرْقَةِ مِنْهَا فِي مَرَضِهَا فَلَا يَرِثُهَا.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ وَرِثَتْهُ.

وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ وَبَقِيَ الزَّوْجُ لَمْ يَرِثْهَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ.

وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ فِي صِحَّتِهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ مَرِضَ فَعَيَّنَ الطَّلَاقَ فِي إحْدَاهُمَا ثُمَّ مَاتَ وَرِثَتْهُ الْمُطَلَّقَةُ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ الْمُضَافِ إلَى الْمُبْهَمِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ الْبَيَانِ هُوَ الصَّحِيحُ لِمَا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالصَّحِيحُ إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِفِعْلٍ فِي مَرَضِهِ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

وَقَالَ فِيمَنْ قَالَ فِي صِحَّتِهِ لِأَمَتَيْنِ تَحْتَهُ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَأُعْتِقَتَا ثُمَّ اخْتَارَ الزَّوْجُ أَنْ يُوقِعَ عَلَى إحْدَاهُمَا فِي مَرَضِهِ فَلَا مِيرَاثَ لِلْمُطَلَّقَةِ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ فِي الْمُعَيَّنِ، وَالْبَيَانُ تَعْيِينُ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لَا شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ.

وَيُقَالُ إنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ وَالْوُقُوعَ حَصَلَا فِي حَالٍ لَاحِقٍ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَهِيَ حَالَةُ الصِّحَّةِ فَلَا تَرِثُ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ صَادَفَهَا وَهِيَ أَمَةٌ وَطَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ فَلَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الطَّلَاقُ غَيْرُ وَاقِعٍ لِلْحَالِ بَلْ مُعَلَّقٌ وُقُوعُهُ بِالِاخْتِيَارِ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْإِيقَاعِ فِي الذِّمَّةِ وَيُقَالُ إنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَرِثَ وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ تَعَلَّقَ بِشَرْطِ اخْتِيَارِهِ.

وَالصَّحِيحُ إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِفِعْلِهِ فَفَعَلَ وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ تَرِثُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِعْلًا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، أَوْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَمَا إذَا قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ إنْ دَخَلْتُ أَنَا الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ عَلَيْهَا وَهِيَ حُرَّةٌ فَلَا تَحْرُمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً فَيَمْلِكُ مُرَاجَعَتَهَا.

وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حُرَّةً فَقَالَ فِي صِحَّتِهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَأُعْتِقَتْ الْأَمَةُ ثُمَّ مَرِضَ الزَّوْجُ فَبَيَّنَ الطَّلَاقَ فِي الْأَمَةِ فَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ وَلِلْمُطَلَّقَةِ الْمِيرَاثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ إذَا اخْتَارَ أَنْ يُوقِعَ عَلَى الَّتِي كَانَتْ أَمَةً فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الزِّيَادَاتِ وَقَالَ فِي جَوَابِهَا إنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا.

وَاخْتِلَافُ الْجَوَابِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الطَّرِيقِ فَمَنْ جَعَلَ الطَّلَاقَ وَاقِعًا فِي الْجُمْلَةِ وَجَعَلَ الْبَيَانَ تَعْيِينَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ يَقُولُ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَحُرِّمَتْ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَرِثَ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ وَالْوُقُوعَ كُلُّ ذَلِكَ وُجِدَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ بِالتَّوْرِيثِ لِكَوْنِ الزَّوْجِ مُتَّهَمًا فِي الْبَيَانِ لِجَوَازِ أَنَّهُ كَانَ فِي قَلْبِهِ الْأُخْرَى وَقْتَ الطَّلَاقِ فَبَيَّنَ فِي هَذِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا فِي الْبَيَانِ فَتَرِثُ فَأَمَّا مَنْ لَا يَرَى الطَّلَاقَ وَاقِعًا قَبْلَ الِاخْتِيَارِ يَقُولُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَيْنِ وَقَعَا وَهِيَ حُرَّةٌ فَلَا تُحَرَّمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَتَرِثُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ رَجْعِيٌّ.

وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ وَالشَّرْطُ فِي الصِّحَّةِ بِأَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ بَائِنًا

<<  <  ج: ص:  >  >>