التَّفْرِيقِ فَيَكُونُ طَلَاقًا كَمَا فِي الْعِنِّينِ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْفُرْقَةِ قَذْفُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ وَاللِّعَانُ يُوجِبُ التَّفْرِيقَ وَالتَّفْرِيقُ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ فَكَانَتْ الْفُرْقَةُ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ مُضَافَةً إلَى الْقَذْفِ السَّابِقِ وَكُلُّ فُرْقَةٍ تَكُونُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ يَكُونُ فِعْلُ الزَّوْجِ سَبَبَهَا تَكُونُ طَلَاقًا كَمَا فِي الْعِنِّينِ وَالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ السَّلَفِ: إنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ وَقَعَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَهِيَ طَلَاقٌ مِنْ نَحْوِ إبْرَاهِيمَ وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ ﵃.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حَقِيقَةَ الْمُتَفَاعِلِ هُوَ الْمُتَشَاغِلُ بِالْفِعْلِ وَكَمَا فَرَغَا مِنْ اللِّعَانِ مَا بَقِيَا مُتَلَاعِنَيْنِ حَقِيقَةً فَانْصَرَفَ الْمُرَادُ إلَى الْحُكْمِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ اللِّعَانِ فِيهِمَا ثَابِتًا فَإِذَا أَكْذَبَ الزَّوْجُ نَفْسَهُ وَحُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ بَطَلَ حُكْمُ اللِّعَانِ فَلَمْ يَبْقَ مُتَلَاعِنًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ﴿إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾ [الكهف: ٢٠] أَيْ مَا دَامُوا فِي مِلَّتِهِمْ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَفْعَلُوا يُفْلِحُوا فَكَذَا هَذَا وَأَمَّا الْحُكْمُ الَّذِي لَيْسَ بِأَصْلِيٍّ لِلِّعَانِ فَهُوَ وُجُوبُ قَطْعِ النَّسَبِ فِي أَحَدِ نَوْعَيْ الْقَذْفِ وَهُوَ الْقَذْفُ بِالْوَلَدِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا لَاعَنَ بَيْنَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا نَفَى الْوَلَدَ عَنْهُ وَأَلْحَقَهُ بِالْمَرْأَةِ فَصَارَ النَّفْيُ أَحَدَ حُكْمَيْ اللِّعَانِ وَلِأَنَّ الْقَذْفَ إذَا كَانَ بِالْوَلَدِ فَغَرَضُ الزَّوْجِ أَنْ يَنْفِيَ وَلَدًا لَيْسَ مِنْهُ فِي زَعْمِهِ فَوَجَبَ النَّفْيُ تَحْقِيقًا لِغَرَضِهِ وَإِذَا كَانَ وُجُوبُ نَفْيِهِ أَحَدَ حُكْمَيْ اللِّعَانِ فَلَا يَجِبُ قَبْلَ وُجُودِهِ وَعَلَى هَذَا قُلْنَا إنَّ الْقَذْفَ إذَا لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا اللِّعَانَ أَوْ سَقَطَ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَوَجَبَ الْحَدُّ أَوْ لَمْ يَجِبْ أَوْ لَمْ يَسْقُطْ لَكِنَّهُمَا لَمْ يَتَلَاعَنَا بَعْدُ لَا يَنْقَطِعُ نَسَبُ الْوَلَدِ، وَكَذَا إذَا نَفَى نَسَبَ وَلَدِ حُرَّةٍ فَصَدَّقَتْهُ لَا يَنْقَطِعُ نَسَبُهُ لِتَعَذُّرِ اللِّعَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ حَيْثُ تَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ، وَقَدْ قَالَتْ: إنَّهُ صَادِقٌ وَإِذَا تَعَذَّرَ اللِّعَانُ تَعَذَّرَ قَطْعُ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ وَيَكُونُ ابْنَهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ عَلَى نَفْيِهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ قَدْ ثَبَتَ وَالنَّسَبُ الثَّابِتُ بِالنِّكَاحِ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِاللِّعَانِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَصَادُقُهُمَا عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ حَقًّا لِلْوَلَدِ وَفِي تَصَادُقِهِمَا عَلَى النَّفْيِ إبْطَالُ حَقِّ الْوَلَدِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا كَانَ عُلُوقُ الْوَلَدِ فِي حَالٍ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا فِيهَا ثُمَّ صَارَتْ بِحَيْثُ يَقَعُ بَيْنَهُمَا اللِّعَانُ نَحْوُ مَا إذَا عُلِّقَتْ وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ ثُمَّ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ أَوْ أَسْلَمَتْ الْكِتَابِيَّةُ فَوَلَدَتْ فَنَفَاهُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَلَاعُنَ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ اللِّعَانِ وَقْتَ الْعُلُوقِ.
وَقَطْعُ النَّسَبِ حُكْمُ اللِّعَانِ ثُمَّ لِوُجُودِ قَطْعِ النَّسَبِ شَرَائِطُ: مِنْهَا التَّفْرِيقُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَبْلَ التَّفْرِيقِ قَائِمٌ فَلَا يَجِبُ النَّفْيُ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ بِالنَّفْيِ بِحَضْرَةِ الْوِلَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مُدَّةٍ تُوجَدُ فِيهَا لِتَهْنِئَةٍ أَوْ ابْتِيَاعِ آلَاتِ الْوِلَادَةِ عَادَةً فَإِنْ نَفَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْتَفِي وَلَمْ يُوَقِّتْ أَبُو حَنِيفَةَ لِذَلِكَ وَقْتًا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ وَقَّتَ لَهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَّتَاهُ بِأَكْثَرِ النِّفَاسِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ الْفَوْرَ فَقَالَ: إنْ نَفَاهُ عَلَى الْفَوْرِ انْتَفَى وَإِلَّا لَزِمَهُ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ تَرْكَ النَّفْيِ عَلَى الْفَوْرِ إقْرَارٌ مِنْهُ دَلَالَةً فَكَانَ كَالْإِقْرَارِ نَصًّا.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ النِّفَاسَ أَثَرُ الْوِلَادَةِ فَيَصِحُّ نَفْيُ الْوَلَدِ مَا دَامَ أَثَرُ الْوِلَادَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَحْتَاجُ إلَى التَّأَمُّلِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ زَمَانِ التَّأَمُّلِ وَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ فَتَعَذَّرَ التَّوْقِيتُ فِيهِ فَيَحْكُمُ فِيهِ الْعَادَةُ مِنْ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ وَابْتِيَاعِ آلَاتِ الْوِلَادَةِ أَوْ مُضِيِّ مُدَّةٍ يُفْعَلُ ذَلِكَ فِيهَا عَادَةً فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَبِهَذَا يَبْطُلُ اعْتِبَارُ الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّأَمُّلِ وَالتَّرَوِّي لَا يَحْصُلُ بِالْفَوْرِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِي الْغَائِبِ عَنْ امْرَأَتِهِ: إذَا وَلَدَتْ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوِلَادَةِ حَتَّى قَدِمَ أَوْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ وَهُوَ غَائِبٌ أَنَّهُ لَهُ أَنْ يَنْفِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مِقْدَارِ تَهْنِئَةِ الْوَلَدِ وَابْتِيَاعِ آلَاتِ الْوِلَادَةِ وَعِنْدَهُمَا فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ النِّفَاسِ بَعْدَ الْقُدُومِ أَوْ بُلُوغِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَلْزَمُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ فَصَارَ حَالُ الْقُدُومِ وَبُلُوغِ الْخَبَرِ كَحَالِ الْوِلَادَةِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ جَمِيعًا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: إنْ قَدِمَ قَبْلَ الْفِصَالِ فَلَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ النِّفَاسِ وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ الْفِصَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ وَلَمْ يُرْوَ هَذَا التَّفْصِيلُ عَنْ مُحَمَّدٍ.
كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَلَدَ قَبْلَ الْفِصَالِ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ غِذَائِهِ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَمُدَّةِ النِّفَاسِ وَبَعْدَ الْفِصَالِ انْتَقَلَ عَنْ ذَلِكَ الْغِذَاءِ وَخَرَجَ عَنْ حَالِ الصِّغَرِ فَلَوْ احْتَمَلَ النَّفْيَ بَعْدَ ذَلِكَ لَاحْتَمَلَ بَعْدَمَا صَارَ شَيْخًا وَذَلِكَ قَبِيحٌ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ فَلَهُ أَنْ يَنْفِيَ إلَى تَمَامِ مُدَّةِ النِّفَاسِ وَإِنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ بَعْدَ أَرْبَعِينَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ