الْحَاجَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي فَصْلِ التَّيَمُّمِ (وَأَمَّا) الْكَلَامُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَبِنَاءً عَلَى أَصْلٍ مُخْتَلِفٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ مِقْدَارُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، قَالَ الْكَرْخِيُّ وَأَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ بِمِقْدَارِ التَّحْرِيمَةِ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجِبُ إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُؤَدَّى فِيهِ الْفَرْضُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيُّ وَبُنِيَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ: الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَأَقَامَ الْمُسَافِرُ أَوْ سَافَرَ الْمُقِيمُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا يَجِبُ الْفَرْضُ وَلَا يَتَغَيَّرُ إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْأَدَاءُ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ يَجِبُ الْفَرْضُ وَيَتَغَيَّرُ الْأَدَاءُ وَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ لِلتَّحْرِيمَةِ فَقَطْ.
(وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْأَدَاءِ، وَأَدَاءُ كُلِّ الْفَرْضِ فِي هَذَا الْقَدْرِ لَا يُتَصَوَّرُ فَاسْتَحَالَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ.
(وَلَنَا) أَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ يَجِبُ تَعْيِينُهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ لِلْأَدَاءِ فِعْلًا عَلَى مَا مَرَّ، فَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ لِكُلِّ الصَّلَاةِ يَجِبُ تَعْيِينُهُ لِكُلِّ الصَّلَاةِ فِعْلًا بِالْأَدَاءِ، وَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ لِلْبَعْضِ وَجَبَ تَعْيِينُهُ لِذَلِكَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ كُلِّ الْوَقْتِ لِكُلِّ الْعِبَادَةِ تَعْيِينُ كُلِّ أَجْزَائِهِ لِكُلِّ أَجْزَائِهَا ضَرُورَةً، وَفِي تَعْيِينِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ لِجُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ فَائِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَإِذَا وَجَبَ الْبَعْضُ فِيهِ وَجَبَ الْكُلُّ فِيمَا يَتَعَقَّبُهُ مِنْ الْوَقْتِ إنْ كَانَ لَا يَتَعَقَّبُهُ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ تَعَقَّبَهُ يَجِبُ الْكُلُّ لِيُؤَدَّى فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا قَدْرُ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ وَجَبَ تَحْصِيلُ التَّحْرِيمَةِ ثُمَّ تَجِبُ بَقِيَّةُ الصَّلَاةِ لِضَرُورَةِ وُجُوبِ التَّحْرِيمَةِ فَيُؤَدِّيهَا فِي الْوَقْتِ الْمُتَّصِلِ بِهِ فِيمَا وَرَاءَ الْفَجْرِ، وَفِي الْفَجْرِ يُؤَدِّيهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى التَّدْرِيجِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَدْ تَقَرَّرَ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ فَيَقْضِي، وَهَذَا بِخِلَافِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ رَمَضَانَ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْوَقْتَ مِعْيَارٌ لِلصَّوْمِ فَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا يَصْلُحُ لِلْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْعِبَادَةِ بَلْ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الْوَقْتِ مُتَعَيَّنٌ لِلْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْعِبَادَةِ ثُمَّ الثَّانِي مِنْهُ لِلثَّانِي مِنْهَا وَالثَّالِثُ لِلثَّالِثِ وَهَكَذَا فَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْعِبَادَةِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي أَوْ الْخَامِسِ مِنْ الْوَقْتِ وَلَا الْجُزْءِ الْخَامِسِ مِنْ الْعِبَادَةِ مِنْ الْجُزْءِ السَّادِسِ مِنْ الْوَقْتِ فَإِذَا فَاتَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الْوَقْتِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ فَلَمْ يَجِبْ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الْعِبَادَةِ لِاسْتِحَالَةِ الْوُجُوبِ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ فَبَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ أَسْلَمَ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي أَوْ الْعَاشِرِ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الصَّوْمِ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِوُجُوبِهِ فِيهِ.
وَلِأَنَّ وُجُوبَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الصَّوْمِ فِي جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ وَهُوَ مَحَلُّ أَدَائِهِ وَالْجُزْءُ الثَّانِي مِنْ الْيَوْمِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْعِبَادَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ الْجُزْءِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ وُجُوبًا وَلَا أَدَاءً بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ كُلَّ جُزْءٍ مُطْلَقٍ مِنْ الْوَقْتِ يَصْلُحُ أَنْ يَجِبَ فِيهِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الصَّلَاةِ، إذْ التَّحْرِيمَةُ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ بِمِعْيَارٍ لِلصَّلَاةِ فَهُوَ الْفَرْقُ - وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ - ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِمِقْدَارِ التَّحْرِيمَةِ فِي حَقِّ الْحَائِضِ إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشْرًا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ إذَا طَهُرَتْ وَعَلَيْهَا مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا تَغْتَسِلُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا مِنْ الْوَقْتِ مَا لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَغْتَسِلَ فِيهِ أَوْ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَحَرَّمَ لِلصَّلَاةِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَيَّامَهَا إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ لَا يُحْكَمُ بِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ الدَّمِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ، أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ تَصِيرُ تِلْكَ الصَّلَاةُ دَيْنًا عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةً بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ يُحْكَمُ بِخُرُوجِهَا عَنْ الْحَيْضِ فَإِذَا أَدْرَكَتْ جُزْءًا مِنْ الْوَقْتِ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ سَوَاءً تَمَكَّنَتْ مِنْ الِاغْتِسَالِ أَوْ لَمْ تَتَمَكَّنْ بِمَنْزِلَةِ كَافِرٍ أَسْلَمَ وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ صَبِيٍّ بَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ سَوَاءً تَمَكَّنَ مِنْ الِاغْتِسَالِ فِي الْوَقْتِ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَيْضَ هُوَ خُرُوجُ الدَّمِ فِي وَقْتٍ مُعْتَادٍ فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِزَوَالِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا انْعَدَمَ حَقِيقَةً انْعَدَمَ حُكْمًا إلَّا أَنَّا لَا نَحْكُمُ بِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ﵃.
قَالَ الشَّعْبِيُّ حَدَّثَنِي بِضْعَةَ عَشَرَ نَفَرًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ الزَّوْجَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ وَكَانَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ نَفْسَ الِانْقِطَاعِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَثِيرًا مَا يَتَخَلَّلُ فِي زَمَانِ الْحَيْضِ فَشُرِطَتْ زِيَادَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute