مُسَافِرًا.
وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعٍ صَالِحٍ لِلْإِقَامَةِ حَيْثُ يَصِيرُ مُقِيمًا لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ هُنَاكَ قَارَنَتْ الْفِعْلَ " وَهُوَ تَرْكُ السَّفَرِ "؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْفِعْلِ فِعْلٌ فَكَانَتْ مُعْتَبَرَةً، وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ وَسَوَاءً خَرَجَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ لِأَدَاءِ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الْبَلْخِيّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: إنَّمَا يَقْصُرُ إذَا خَرَجَ قَبْلَ الزَّوَالِ، فَأَمَّا إذَا خَرَجَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يُكْمِلُ الظُّهْرَ، وَإِنَّمَا يَقْصُرُ الْعَصْرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا مَضَى مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِيهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِكْمَالُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَإِنْ مَضَى دُونَ ذَلِكَ، اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِيهِ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ لِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا غَيْرُ أَوْ لِلتَّحْرِيمَةِ فَقَطْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ يُصَلِّي أَرْبَعًا.
(أَمَّا) الْكَلَامُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي آخِرِهِ فَعِنْدَهُمْ تَجِبُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَكُلَّمَا دَخَلَ الْوَقْتُ أَوْ مَضَى مِنْهُ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ لِأَدَاءِ الْأَرْبَعِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَلَا يَسْقُطُ شَطْرُهَا بِسَبَبِ السَّفَرِ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا إذَا صَارَتْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ ثُمَّ سَافَرَ لَا يَسْقُطُ الشَّطْرُ كَذَا هَهُنَا، وَعِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا تَجِبُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى التَّعْيِينِ وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا التَّعْيِينُ إلَى الْمُصَلِّي مِنْ حَيْثُ الْفِعْلِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ يَجِبُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَكَذَا إذَا شَرَعَ فِي وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ، وَمَتَى لَمْ يُعَيِّنْ بِالْفِعْلِ حَتَّى بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي فِيهِ أَرْبَعًا وَهُوَ مُقِيمٌ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْيِينُ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِلْأَدَاءِ فِعْلًا حَتَّى يَأْثَمَ بِتَرْكِ التَّعْيِينِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ شَرْعًا حَتَّى لَوْ صَلَّى فِيهِ التَّطَوُّعَ جَازَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَدَاءُ الْأَرْبَعِ وَاجِبًا قَبْلَ الشُّرُوعِ فَإِذَا نَوَى السَّفَرَ وَخَرَجَ مِنْ الْعُمْرَانِ حَتَّى صَارَ مُسَافِرًا تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْمُسَافِرِينَ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَقْتُ فَاضِلًا عَلَى الْأَدَاءِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءُ رَكْعَتَيْنِ فِي جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِالْفِعْلِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ يَتَعَيَّنُ آخِرَ الْوَقْتِ لِوُجُوبِ تَعْيِينِهِ لِلْأَدَاءِ فِعْلًا، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْتُ فَاضِلًا عَلَى الْأَدَاءِ وَلَكِنَّهُ يَسَعُ لِلرَّكْعَتَيْنِ يَتَعَيَّنُ لِلْوُجُوبِ وَيُبْنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ: الطَّاهِرَةُ إذَا حَاضَتْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ نَفِسَتْ وَالْعَاقِلُ إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَالْمُسْلِمُ إذَا ارْتَدَّ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الْفَرْضَ لَا يَلْزَمُهُمْ الْفَرْضُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَيَّنُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ عِنْدَنَا إذَا لَمْ يُوجَدْ الْأَدَاءُ قَبْلَهُ فَيَسْتَدْعِي الْأَهْلِيَّةَ فِيهِ لِاسْتِحَالَةِ الْإِيجَابِ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَعِنْدَهُمْ يَلْزَمُهُمْ الْفَرْضُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَهُمْ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ، وَالْأَهْلِيَّةُ ثَابِتَةٌ فِي أَوَّلِهِ، وَدَلَائِلُ هَذَا الْأَصْلِ تُعْرَفُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَلَوْ صَلَّى الصَّبِيُّ الْفَرْضَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ بَلَغَ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَكَذَا إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ بَلَغَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا يُجْزِيهِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ كَانَ نَظَرًا لَهُ، وَالنَّظَرُ هُنَا لِلْوُجُوبِ كَيْ لَا تَلْزَمَهُ الْإِعَادَةُ فَأَشْبَهَ الْوَصِيَّةَ حَيْثُ صَحَّتْ مِنْهُ نَظَرًا لَهُ وَهُوَ الثَّوَابُ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ بِالْمِيرَاثِ إنْ لَمْ يَزُلْ بِالْوَصِيَّةِ.
(وَلَنَا) أَنَّ فِي نَفْسِ الْوُجُوبِ ضَرَرًا فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الصَّبِيِّ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْلُغْ فِيهِ وَإِنَّمَا انْقَلَبَ نَفْعًا لِحَالَةٍ اتَّفَقَتْ " وَهِيَ الْبُلُوغُ فِيهِ " وَأَنَّهُ نَادِرٌ فَبَقِيَ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ فِي الْأَصْلِ الْمُسْلِمُ إذَا صَلَّى ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْوَقْتِ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْحَجُّ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ [البقرة: ٢١٧] عَلَّقَ حَبْطَ الْعَمَلِ بِالْمَوْتِ عَلَى الرِّدَّةِ دُونَ نَفْسِ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ حَصَلَتْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقُرْبَةِ فَلَا يُبْطِلُهَا كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ.
(وَلَنَا) قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ [المائدة: ٥] وقَوْله تَعَالَى ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ٨٨] عَلَّقَ حَبْطَ الْعَمَلِ بِنَفْسِ الْإِشْرَاكِ بَعْدَ الْإِيمَانِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ فَنَقُولُ: مَنْ عَلَّقَ حُكْمًا بِشَرْطَيْنِ وَعَلَّقَهُ بِشَرْطٍ فَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّعْلِيقَيْنِ وَيَنْزِلُ عِنْدَ أَيِّهِمَا وُجِدَ كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حَرٌّ إذَا جَاءَ يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَنْتَ حَرٌّ إذَا جَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لَا يَبْطُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَلْ إذَا جَاءَ يَوْمُ الْخَمِيسِ عَتَقَ وَلَوْ كَانَ بَاعَهُ فَجَاءَ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَلَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَجَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ عَتَقَ بِالتَّعْلِيقِ الْآخَرِ.
وَأَمَّا التَّيَمُّمُ: فَهُوَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ طَهَارَةٌ وَأَثَرُ الرِّدَّةِ فِي إبْطَالِ الْعِبَادَاتِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ مَعَ الْكُفْرِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ هَهُنَا مُتَحَقِّقَةٌ وَالرِّدَّةُ لَا تُبْطِلُهَا لِكَوْنِهِ مَجْبُورًا عَلَى الْإِسْلَامِ فَبَقِيَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute