حُرِّيَّةَ أَبِيهِ وَابْنِهِ فِي مَعْنَى حُرِّيَّةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ يَسْعَى لِحُرِّيَّةِ أَوْلَادِهِ وَآبَائِهِ مِثْلَ مَا يَسْعَى لِحُرِّيَّةِ نَفْسِهِ فَهُوَ الْفَرْقُ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ لِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا؛ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ» وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الْحُكْمَ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ بِالْمِلْكِ فَيَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ؛ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْحُكْمِ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَكَانَا مِنْ أَهْلِ هَذَا الْحُكْمِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ إذَا اشْتَرَى أَبَاهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَشِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا حَتَّى تَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ وَالصَّبِيُّ وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتِقَ أَوْ لَا يَكُونَ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا قِيلَ: إنَّ كَوْنَ شِرَاءِ الْأَبِ إعْتَاقًا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ وَالنَّصُّ قَابِلٌ لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ بِمُرَادٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ فَلَا يَكُونُ الشِّرَاءُ مِنْ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا إعْتَاقًا بَلْ يَكُونُ تَمْلِيكًا فَقَطْ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ شَرْعًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ» لَا بِالْإِعْتَاقِ.
وَلَوْ مَلَكَ حَلِيلَةَ ابْنِهِ أَوْ مَنْكُوحَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا مَلَكَ ابْنَ الْعَمِّ أَوْ الْعَمَّةِ أَوْ ابْنَتَهَا أَوْ ابْنَ الْخَالِ أَوْ الْخَالَةِ أَوْ بِنْتَيْهِمَا لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ مِلْكُ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِمَا أَعْنِي الرَّحِمَ الْمَحْرَمَ فَفِي الْأَوَّلِ وُجِدَ الْمَحْرَمُ بِلَا رَحِمٍ وَفِي الثَّانِي وُجِدَ الرَّحِمُ بِلَا مَحْرَمٍ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي حُرْمَةِ قَطْعِ الرَّحِمِ وَأَهْلِيَّةِ الْإِعْتَاقِ وَأَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ وَوَلَاءُ الْمُعْتَقِ لِمَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ» ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنْ وَقَعَ بِالشِّرَاءِ فَالشِّرَاءُ إعْتَاقٌ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَإِنْ وَقَعَ بِالْمِلْكِ شَرْعًا فَالْمِلْكُ لِلْمُعْتَقِ عَلَيْهِ فَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ.
وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً وَهِيَ حُبْلَى مِنْ أَبِيهِ وَالْأَمَةُ لِغَيْرِ الْأَبِ؛ جَازَ الشِّرَاءُ وَعَتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا وَلَا تَعْتِقُ الْأَمَةُ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا إذَا وَضَعَتْ، أَمَّا جَوَازُ الشِّرَاءِ فَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْأَخِ جَائِزٌ كَشِرَاءِ الْأَبِ وَسَائِرِ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ.
وَأَمَّا عِتْقُ الْحَمْلِ فَلِأَنَّهُ أَخُوهُ وَقَدْ مَلَكَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا تَعْتِقُ الْأُمُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهُ لِعَدَمِ الْقَرَابَةِ بَيْنَهُمَا؛ يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَهَا أَبُوهُ لَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ فَابْنُهُ أَوْلَى.
وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِهَا مَا دَامَ الْحَمْلُ قَائِمًا فَلِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا حُرًّا وَلِأَنَّ بَيْعَ الْحَامِلِ بِدُونِ الْحَمْلِ لَا يَجُوزُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا وَاسْتَثْنَى الْحَمْلَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ فَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْحُرُّ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْوَلَدَ وَإِذَا وَضَعَتْ جَازَ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ.
وَإِذَا مَلَكَ شِقْصًا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ قَدْرُ مَا مَلَكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَعْتِقُ كُلُّهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ لَهُ أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمْ لَا يَتَجَزَّأُ، وَلَوْ مَلَكَ رَجُلَانِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِهِمَا حَتَّى عَتَقَ عَلَيْهِ فَهَذَا لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ مَلَكَاهُ بِسَبَبٍ لَهُمَا فِيهِ صَنِيعٌ، وَإِمَّا إنْ مَلَكَاهُ بِسَبَبٍ لَا صَنِيعَ لَهُمَا فِيهِ.
فَإِنْ مَلَكَاهُ بِسَبَبٍ لَهُمَا فِيهِ صُنْعٌ بِأَنْ مَلَكَاهُ بِالشِّرَاءِ أَوْ بِقَبُولِ الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ لَا يَضْمَنُ مَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنْ يَسْعَى لَهُ الْعَبْدُ فِي نَصِيبِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَضْمَنُ الَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا بَاعَ رَجُلٌ نِصْفَ عَبْدِهِ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ عَبْدِهِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ حَتَّى عَتَقَ عَلَيْهِ؛ لَا يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي نَصِيبَ الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُوسِرًا كَانَ الْقَرِيبُ أَوْ مُعْسِرًا، وَلَكِنْ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْبَائِعِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَسْعَى الْعَبْدُ.
وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدٍ لَيْسَ بِقَرِيبٍ لَهُ: إنْ مَلَكْته فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْحَالِفُ وَغَيْرُهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً ذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنِّي لَا أَعْرِفُ الرِّوَايَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ قَرِيبِ الْعَبْدِ حَتَّى عَتَقَ عَلَيْهِ؛ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ نَصِيبَ الشَّرِيكِ السَّاكِتِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَلَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ شَيْئًا وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ، وَوَجْهُ الْبِنَاءِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ الْإِعْتَاقَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُمَا وَشِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ فَكَانَ شِرَاءُ نَصِيبِهِ إعْتَاقًا لِنَصِيبِهِ وَإِعْتَاقُ نَصِيبِهِ إعْتَاقٌ لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ فَيَعْتِقُ كُلُّهُ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ وَلَمَّا كَانَ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُ كَانَ شِرَاءُ نَصِيبِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute