للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إعْتَاقًا لِنَصِيبِهِ خَاصَّةً فَلَمْ يَكُنْ إفْسَادًا لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ وَلَا تَمْلِيكًا لِنَصِيبِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ لِضَرُورَةِ تَكْمِيلِ الْإِعْتَاقِ لِضَرُورَةِ عَدَمِ التَّجْزِئَةِ فَإِذَا كَانَ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّكْمِيلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّمْلِيكِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ إذَا كَانَ مُعْسِرًا وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ وَالتَّمْلِيكِ لَا يَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى الشَّرِيكِ الْمُعْتِقِ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا وُجُوبَ الضَّمَانِ ثَمَّةَ مُخَالِفًا لِلْأُصُولِ بِالنَّصِّ نَظَرًا لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلنَّظَرِ؛ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الرِّضَا بِمُبَاشَرَةِ الْإِعْتَاقِ مِنْ الشَّرِيكِ وَلَا بِمُبَاشَرَةِ شَرْطِهِ وَهَهُنَا وُجِدَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ رَاضٍ بِشِرَاءِ صَاحِبِهِ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ، وَإِنَّ شِرَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ شِرَاءِ صَاحِبِهِ حَتَّى لَوْ أَوْجَبَ الْبَائِعُ لَهُمَا فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا الْبَائِعُ نِصْفَ عَبْدِهِ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ رَاضٍ بِشِرَائِهِ وَمَنْ رَضِيَ بِالضَّرَرِ لَا يُنْظَرُ لَهُ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ نَظِيرَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الرِّضَا مِنْ الشَّرِيكِ السَّاكِتِ بِشِرَاءِ الْقَرِيبِ أَصْلًا حَتَّى يُوجِبَ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الضَّمَانِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَيَلْحَقُ بِهِ ثُمَّ وَجْهُ الْكَلَامِ لِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى طَرِيقِ الِابْتِدَاءِ أَنَّهُ وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّ شِرَاءَ نَصِيبِهِ إعْتَاقٌ لِنَصِيبِهِ وَإِفْسَادٌ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ لَكِنَّ هَذَا إفْسَادٌ مَرْضِيٌّ بِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِشِرَاءِ نَفْسِهِ وَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ فِي نَصِيبِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِدُونِ شِرَاءِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا أَوْجَبَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ لَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ مُوَافِقًا لِلْإِيجَابِ؛ إذْ الْبَائِعُ مَا رَضِيَ إلَّا بِهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْت مِنْكُمَا فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ؛ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فَكَانَ الرِّضَا بِشِرَاءِ نَفْسِهِ رِضًا بِشِرَاءِ صَاحِبِهِ فَكَانَ شِرَاءُ الْقَرِيبِ إفْسَادًا لِنَصِيبِ الشَّرِيكِ بِرِضَا الشَّرِيكِ فَلَا يُوجِبَ الضَّمَانَ كَمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَعْتِقْ نَصِيبَك أَوْ رَضِيت بِإِعْتَاقِ نَصِيبِك فَأَعْتَقَ؛ لَا يَضْمَنُ، كَذَا هَذَا.

فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ النُّكْتَةُ لَا تَتَمَشَّى فِي الْهِبَةِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا إذَا قَبِلَ الْهِبَةَ دُونَ الْآخَرِ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ فَلَمْ يَكُنْ الرِّضَا بِقَبُولِ الْهِبَةِ فِي نَصِيبِهِ رِضًا بِقَبُولِ صَاحِبِهِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا إفْسَادًا مَرْضِيًّا بِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرِيكِ وَكَذَا لَا تَتَمَشَّى فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الشَّرِيكُ الْأَجْنَبِيُّ أَنَّ شَرِيكَهُ قَرِيبُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَ شِرَاءِ الشَّرِيكِ إعْتَاقًا لِنَصِيبِهِ فَلَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ إفْسَادًا لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَلَا يَثْبُتُ رِضَاهُ بِالْإِفْسَادِ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ مُحَالٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ عَكْسِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَرَاهُ الْحُكْمَ مَعَ عَدَمِ الْعِلَّةِ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْعَكْسِ وَالْعَكْسُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ شَرْعِيٍّ عِلَلٌ فَنَحْنُ نَفَيْنَا وُجُوبَ الضَّمَانِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِمَا ذَكَرْنَا وَنُبْقِيهِ فِي غَيْرِهِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى ثُمَّ نَقُولُ: أَمَّا فَصْلُ الْهِبَةِ فَنَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبُولُهُ شَرْطَ صِحَّةِ قَبُولِ الْآخَرِ حَتَّى يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْقَبُولِ لَكِنَّهُمَا إذَا قَبِلَا جَمِيعًا كَانَ قَبُولُهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ إيجَابٍ وَاحِدٍ مِثَالُهُ: إذَا قَرَأَ الْمُصَلِّي آيَةً وَاحِدَةً قَصِيرَةً أَوْ طَوِيلَةً عَلَى الِاخْتِلَافِ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَوَازُ، وَلَوْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ يَتَعَلَّقُ الْجَوَازُ بِالْكُلِّ وَيُجْعَلُ الْكُلُّ كَآيَةٍ وَاحِدَةٍ كَذَا هَذَا.

وَأَمَّا فَصْلُ الْعِلْمِ فَتَخْرِيجُهُ عَلَى جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ أَنَّ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ عِنْدَهُمَا يَجِبُ مَعَ الْعِلْمِ فَمَعَ الْجَهْلِ أَوْلَى.

وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ سُقُوطَ ضَمَانِ الْإِتْلَافِ عِنْدَ الْإِذْنِ وَالرِّضَا بِهِ لَا يَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: كُلْ هَذَا الطَّعَامَ وَالْآذِنُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ طَعَامُ نَفْسِهِ فَأَكَلَهُ الرَّجُلُ لَا يَسْتَحِقُّ الضَّمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي بِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ هُوَ سَبَبُ حُصُولِ الْعِلْمِ وَالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ إلَيْهِ وَيُقَامُ ذَلِكَ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ كَمَا يُقَامُ سَبَبُ الْقُدْرَةِ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْقُدْرَةِ وَطَرِيقُ حُصُولِ الْعِلْمِ هَهُنَا فِي يَدِهِ وَهُوَ السُّؤَالُ وَالْفَحْصُ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ قَصَّرَ فَلَا يَسْتَحِقُّ الضَّمَانَ، وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ يَعْرِفُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَعْتِقُ وَيَسْعَى لِلْأَجْنَبِيِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ تَمَّ عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الشِّرَاءَ مَعَ شَرِكَةِ الْأَبِ عَيْبٌ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْعُيُوبِ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُيُوبِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ مَعَ الْعَيْبِ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَقْدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>