للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي حَقِّ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ؛ لَمْ يَلْزَمْ فِي حَقِّ الْآخَرِ فَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْفَسْخِ.

وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَى أَبَ الْعَبْدِ النِّصْفَ الْبَاقِيَ وَهُوَ مُوسِرٌ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَجْنَبِيِّ مَا هُوَ دَلِيلُ الرِّضَا فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ عَنْ الْأَبِ فَلَا يَسْقُطُ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ عَبْدًا اشْتَرَى نَفْسَهُ هُوَ وَأَجْنَبِيٌّ مِنْ مَوْلَاهُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي حِصَّةِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْعِتْقُ، وَالْبَيْعُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ بَيْعَ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْهُ إعْتَاقٌ عَلَى مَالٍ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِخِلَافِ الرَّجُلَيْنِ اشْتَرَيَا ابْنَ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ يَصِحُّ، وَإِنْ اجْتَمَعَ الشِّرَاءُ وَالْعِتْقُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ تَمَلُّكٌ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ وَإِعْتَاقٌ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي، وَإِنَّهُ جَائِزٌ لِمَا بَيَّنَّا.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ: إنْ مَلَكْت مِنْ هَذَا الْعَبْدِ شَيْئًا فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْحَالِفُ وَأَبُوهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً عَتَقَ عَلَى الْأَبِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُ لَا يَتَجَزَّأُ، وَقَدْ اجْتَمَعَ لِلْعِتْقِ سَبَبَانِ: الْقَرَابَةُ وَالْيَمِينُ إلَّا أَنَّ الْقَرَابَةَ سَابِقَةٌ عَلَى الْيَمِينِ فَإِذَا مَلَكَاهُ صَارَ كَأَنَّ عِتْقَ الْأَبِ أَسْبَقُ فَيَعْتِقُ النَّصِيبَانِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا أَوْ بَعْضَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ أَنَّهُ ابْنُهُ ثُمَّ اشْتَرَيَاهُ عَتَقَ عَلَيْهِمَا، وَنِصْفُ وَلَائِهِ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ وَهُوَ ابْنٌ لِلَّذِي ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ هَهُنَا لَمْ يَسْبِقْ الْيَمِينَ فَيَعْتِقُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ وَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِمَا وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ وَإِنْ مَلَكَ اثْنَانِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِهِمَا بِسَبَبٍ لَا صُنْعَ لَهُمَا فِيهِ بِأَنْ وَرِثَا عَبْدًا وَهُوَ قَرِيبُ أَحَدِهِمَا حَتَّى عَتَقَ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا وَلَكِنْ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ هَهُنَا ثَبَتَ بِالْمِلْكِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ إعْتَاقٍ مِنْ جِهَةِ أَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ إذْ لَا صُنْعَ لِأَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ فِي الْإِرْثِ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْمَرْءِ يَعْتَمِدُ شَرْعًا صُنْعًا مِنْ جِهَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْقَرِيبِ؛ فَلَا يَضْمَنُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَلْفَاظُ النَّسَبِ وَذِكْرُهَا لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الصِّفَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْفِدَاءِ فَإِنْ ذَكَرَهَا عَلَى طَرِيقِ الصِّفَةِ بِأَنْ قَالَ لِمَمْلُوكِهِ: هَذَا ابْنِي فَهُوَ لَا يَخْلُو: إمَّا إنْ كَانَ يَصْلُحُ ابْنًا لَهُ بِأَنْ كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ، وَإِمَّا إنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ، وَلَا يَخْلُو: إمَّا إنْ كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ.

فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ ابْنًا لَهُ فَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْعِتْقُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَكٍّ وَلَكِنْ يَثْبُتُ الْعِتْقُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْعِتْقَ بِنَاءٌ عَلَى النَّسَبِ فَإِنْ ثَبُتَ النَّسَبُ ثَبُتَ الْعِتْقُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ ابْنًا لَهُ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَكٍّ وَهَلْ يَعْتِقُ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَعْتِقُ سَوَاءٌ كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ مَعْرُوفَ النَّسَبِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَعْتِقُ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَصَوُّرِ النَّسَبِ وَاحْتِمَالِ ثُبُوتِهِ فَإِنْ تُصُوِّرَ ثُبُوتُهُ؛ ثَبَتَ الْعِتْقُ وَإِلَّا فَلَا وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ثُبُوتَ الْعِتْقِ لَا يَقِفُ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ وَلَا عَلَى تَصَوُّرِ ثُبُوتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِمَمْلُوكَتِهِ: هَذِهِ بِنْتِي فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَالِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الِابْنِ، وَجْهُ قَوْلِهِمْ: أَنَّ الْعِتْقَ لَوْ ثَبَتَ لَا يَخْلُو: إمَّا إنْ ثَبَتَ ابْتِدَاءً أَوْ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْإِعْتَاقُ ابْتِدَاءً وَلَا سَبِيلَ لِلثَّانِي، أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِنَاءً عَلَيْهِ.

وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ النَّسَبِ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْهُ حَقِيقَةً بِالزِّنَا وَالِاشْتِهَارِ مِنْ غَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى النَّسَبِ الظَّاهِرِ فَيَعْتِقُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلَامَ الْعَاقِلِ الْمُتَدَيِّنِ يُحْمَلُ عَلَى الصِّحَّةِ وَالسَّدَادِ مَا أَمْكَنَ لِاعْتِبَارِ عَقْلِهِ وَدِينِهِ دَلَالَةً وَأَمْكَنَ تَصْحِيحُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْكِنَايَةُ وَالْمَجَازُ أَمَّا الْكِنَايَةُ فَلِوُجُودِ طَرِيقِ الْكِنَايَةِ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ الْمُلَازَمَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الْمُجَاوَرَةُ بَيْنَهُمَا غَالِبًا عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ بَيْنَهُمَا تَعَلُّقُ الْوُجُودِ بِهِ أَوْ عِنْدَهُ أَوْ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ وَتَكُونُ الْكِنَايَةُ كَالتَّابِعِ لِلْمُكَنَّى، وَالْمُكَنَّى هُوَ الْمَقْصُودُ فَيُتْرَكُ اسْمُ الْأَصْلِ صَرِيحًا وَيُكَنَّى عَنْهُ بِاسْمِ الْمُلَازِمِ إيَّاهُ التَّابِعِ لَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ ﷿ ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ [المائدة: ٦] وَالْغَائِطُ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الْخَالِي الْمُطْمَئِنِّ مِنْ الْأَرْضِ كَنَّى بِهِ عَنْ الْحَدَثِ لِمُلَازَمَةٍ بَيْنَ هَذَا الْمَكَانِ وَبَيْنَ الْحَدَثِ غَالِبًا وَعَادَةً؛ إذْ الْعَادَةُ أَنَّ الْحَدَثَ يُوجَدُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَكَانِ تَسَتُّرًا عَنْ النَّاسِ، وَكَذَا الِاسْتِنْجَاءُ وَالِاسْتِجْمَارُ كِنَايَةٌ عَنْ تَطْهِيرِ مَوْضِعِ الْحَدَثِ؛ إذْ الِاسْتِنْجَاءُ طَلَبُ النَّجْوِ وَالِاسْتِجْمَارُ طَلَبُ الْجِمَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>