للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُوَفِّقُ، وَكَذَا إسْلَامُ الْمُعْتِقِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَصِحُّ الْإِعْتَاقُ مِنْ الْكَافِرِ إلَّا أَنَّ إعْتَاقَ الْمُرْتَدِّ لَا يَنْفُذُ فِي الْحَالِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ وَعِنْدَهُمَا نَافِذٌ وَإِعْتَاقُ الْمُرْتَدِّ نَافِذٌ بِلَا خِلَافٍ وَالْمَسْأَلَةُ نَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ السِّيَرِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَا صِحَّةُ الْمُعْتِقِ فَيَصِحُّ الْإِعْتَاقُ مِنْ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْجَوَازِ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ إلَّا أَنَّ الْإِعْتَاقَ مِنْ الْمَرِيضِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ وَصِيَّةً وَمِنْهَا: النِّيَّةُ فِي أَحَدِ نَوْعَيْ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ الْكِنَايَةُ دُونَ الصَّرِيحِ، وَيَسْتَوِي فِي صَرِيحِ الْإِعْتَاقِ وَكِنَايَاتِهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمُبَاشَرَةِ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ عَلَى طَرِيقِ الْأَصَالَةِ أَوْ بِغَيْرِهِ عَلَى طَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمَوْلَى بِإِذْنِهِ وَأَمْرِهِ وَذَلِكَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: تَفْوِيضٌ، وَتَوْكِيلٌ، وَرِسَالَةٌ.

فَالتَّفْوِيضُ: هُوَ التَّخْيِيرُ وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ صَرِيحًا وَكِنَايَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْأَمْرُ بِالْإِعْتَاقِ كَقَوْلِهِ: أَعْتِقْ نَفْسَك وَقَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت وَالتَّوْكِيلُ هُوَ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِالْإِعْتَاقِ بِأَنْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ: أَعْتِقْ عَبْدِي فُلَانًا مِنْ غَيْرِ التَّقْيِيدِ بِالْمَشِيئَةِ، وَالرِّسَالَةُ مَعْرُوفَةٌ وَقَدْ فَسَّرْنَاهَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ فِي الْعَتَاقِ كَالْحُكْمِ فِيهَا فِي الطَّلَاقِ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ فِيهَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ ﷿، وَمِنْهَا: عَدَمُ الشَّكِّ فِي الْإِعْتَاقِ وَهُوَ شَرْطُ الْحُكْمِ بِثُبُوتِ الْعِتْقِ فَإِنْ كَانَ شَاكًّا فِيهِ لَا يَحْكُمُ بِثُبُوتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ.

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُعْتَقِ خَاصَّةً فَنَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: الْإِضَافَةُ فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ إلَيْهِ الْعِتْقُ مَوْجُودًا بِيَقِينٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؛ لَمْ تَصِحَّ الْإِضَافَةُ بِأَنْ قَالَ لِجَارِيَةٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ: حَمْلُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ حُرٌّ أَوْ مَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ حُرٌّ فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّكَلُّمِ؛ عَتَقَ وَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ تَيَقَّنَّا بِوُجُودِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِدُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ وَلَدَتْ وَاحِدًا لِأَقَلَّ مِنْهَا بِيَوْمٍ ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ لِأَكْثَرَ مِنْهَا بِيَوْمٍ عَتَقَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَتَقَ لِكَوْنِهِ فِي الْبَطْنِ يَوْمَ الْكَلَامِ فَإِذَا عَتَقَ الْأَوَّلُ عَتَقَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ.

وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ التَّكَلُّمِ فَلَا نَسْتَيْقِنُ بِوُجُودِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ، وَمِنْهَا: الْإِضَافَةُ إلَى بَدَنِ الْمُعْتَقِ أَوْ إلَى جُزْءٍ جَامِعٍ مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَتَّى لَوْ أَضَافَ إلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ؛ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَصِحُّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهُ لَا يَعْتِقُ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ قَدْرُ مَا أَضَافَ إلَيْهِ لَا غَيْرُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَفِي الطَّلَاقِ تَطْلُقُ كُلُّهَا بِلَا خِلَافٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَالطَّلَاقُ لَا يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ لَهُ أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يُرَادُ بِهِ إلَّا الْوَطْءُ وَالِاسْتِمْتَاعُ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ؛ فَلَا يَكُونُ إثْبَاتُ حُكْمِ الطَّلَاقِ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ مُفِيدًا؛ فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِالتَّكَامُلِ.

فَأَمَّا مِلْكُ الْيَمِينِ فَلَمْ يُوضَعْ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَالْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ حُرْمَةِ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ كَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُحَرَّمَةِ بِالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَإِنَّمَا وُضِعَ لِلِاسْتِرْبَاحِ أَوْ الِاسْتِخْدَامِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ؛ فَكَانَ ثُبُوتُ الْعِتْقِ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ مُفِيدًا فَهُوَ الْفَرْقُ، فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّكَامُلِ.

وَأَمَّا كَوْنُ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْعِتْقَ مَعْلُومًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْإِضَافَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ فَيَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْمَجْهُولِ بِأَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ أَوْ قَالَ: هَذَا حُرٌّ أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِأَمَتَيْهِ وَقَالَ نُفَاةُ الْقِيَاسُ: شَرْطٌ حَتَّى لَا تَصِحَّ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَجْهُولِ عِنْدَهُمْ وَالْكَلَامُ فِي الْعَتَاقِ عَلَى نَحْوِ الْكَلَامِ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُقَارِنَةً أَوْ طَارِئَةً بِأَنْ عَتَقَ وَاحِدًا مِنْ عَبِيدِهِ عَيْنًا ثُمَّ نَسِيَ الْمُعْتَقَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَمِنْهَا قَبُولُ الْعَبْدِ فِي الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ فَمَا لَمْ يُقْبَلْ؛ لَا يَعْتِقُ، وَمِنْهَا: الْمَجْلِسُ وَهُوَ مَجْلِسُ الْإِعْتَاقِ إنْ كَانَ الْعَبْدُ حَاضِرًا وَمَجْلِسُ الْعِلْمِ إنْ كَانَ غَائِبًا لِمَا نَذْكُرُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَهُوَ الْمِلْكُ؛ إذْ الْمَالِكُ وَالْمَمْلُوكُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْإِضَافِيَّةِ وَالْعَلَاقَةُ الَّتِي تَدُورُ عَلَيْهَا الْإِضَافَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ هِيَ الْمِلْكُ فَكَوْنُ الْمُعْتَقِ مَمْلُوكَ الْمُعْتِقِ رَقَبَةً وَقْتَ ثُبُوتِ الْعِتْقِ شَرْطُ ثُبُوتِهِ فَيَحْتَاجُ فِي هَذَا الْفَصْلِ إلَى بَيَانِ كَوْنِ الْمُعْتَقِ مَمْلُوكَ الْمُعْتِقِ رَقَبَةً وَقْتَ ثُبُوتِ الْعِتْقِ شَرْطَ ثُبُوتِهِ وَإِلَى بَيَانِ أَنَّهُ: هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكَهُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ التَّكَلُّمُ بِالْعِتْقِ أَمْ لَا؟ وَإِلَى بَيَانِ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>