يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ اسْمِ الْمَمْلُوكِ فِي الْإِعْتَاقِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَمَنْ لَا يَدْخُلُ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ» وَلِأَنَّ زَوَالَ مِلْكِ الْمَحَلِّ شَرْطُ ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِيهِ وَلَا بُدَّ لِلزَّوَالِ مِنْ سَابِقَةِ الثُّبُوتِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ إعْتَاقُ عَبْدِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ إذْ لَا يَنْفُذُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَكِنْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَتَوَقَّفُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ وَمَوْضِعُهَا كِتَابُ الْبُيُوعِ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَا يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ؛ لِانْعِدَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ أَوْ الْمُكَاتَبُ ذَا رَحِمٍ مِنْهُ؛ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ مَوْلَاهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَدْ مَلَكَهُ الْمَوْلَى فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ؛ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَعْتِقُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْمَأْذُونِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ ابْنَهُ مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ مَوْلَاهُ؛ لَمْ يَعْتِقُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَ مُكَاتَبِهِ فَلَا يَعْتِقُ، وَلَوْ اشْتَرَتْ الْمُكَاتَبَةُ ابْنَهَا مِنْ سَيِّدِهَا عَتَقَ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَوْلَى يَنْفُذُ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَوَلَدِهَا فَيَعْتِقُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ لِأَجْلِ النَّسَبِ وَيَجُوزُ إعْتَاقُ الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَ وَالْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَالْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَرْهُونَ وَالْمُسْتَأْجَرَ لِقِيَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ لِمَا قُلْنَا، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَخْرُجُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْحَرْبِيِّ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا حَرْبِيًّا لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّهُ يَعْتِقُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ.
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَلَا يَعْتِقُ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ يَعْتِقُ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا خِلَافَ فِي الْعِتْقِ أَنَّهُ يَعْتِقُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَلَاءِ أَنَّهُ هَلْ يَثْبُتُ مِنْهُ أَمْ لَا؟ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِلْعَبْدِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ وَلَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِي الْعِتْقِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي الْحَرْبِيِّ إذَا دَخَلَ إلَيْنَا وَمَعَهُ مَمَالِيكُ فَقَالَ: هُمْ مُدَبَّرُونَ: إنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ قَالَ: هُمْ أَوْلَادِي أَوْ هُنَّ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي قُبِلَ قَوْلُهُ؛ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَثْبُتُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَرِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِذَا خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ بِإِعْتَاقِهِ وَإِنَّمَا عَتَقَ بِخُرُوجِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَتَقَ بِإِعْتَاقِ مَوْلَاهُ لَهُ، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ أَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَيَعْتِقُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ وَكَمَا لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ حَرْبِيًّا أَوْ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا وَكَالْمُسْلِمِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ أَمْلَاكُهُمْ حَقِيقَةً.
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَرِثُونَ وَيُورَثُ عَنْهُمْ، وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةٌ يَصِحُّ مِنْ الْحَرْبِيِّ اسْتِيلَاؤُهَا إلَّا أَنَّهُ مِلْكٌ غَيْرُ مَعْصُومٍ وَلَهُمَا أَنَّ إعْتَاقَ الْحَرْبِيِّ عَبْدَهُ الْحَرْبِيَّ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِدُونِ التَّخْلِيَةِ لَا يُفِيدُ مَعْنَى الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِبَارَةٌ عَنْ قُوَّةٍ حُكْمِيَّةٍ تَثْبُتُ لِلْمَحَلِّ يَدْفَعُ بِهَا يَدَ الِاسْتِيلَاءِ وَالتَّمَلُّكِ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ بِهَذَا الْإِعْتَاقِ بِدُونِ التَّخْلِيَةِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ تَكُونُ قَائِمَةً حَقِيقَةً وَمِلْكُ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي دِيَانَتِهِمْ بِنَاءً عَلَى الْقَهْرِ الْحِسِّيِّ وَالْغَلَبَةِ الْحَقِيقِيَّةِ حَتَّى إنَّ الْعَبْدَ إذَا قَهَرَ مَوْلَاهُ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ؛ مَلَكَهُ، وَإِذَا لَمْ تُوجَدْ التَّخْلِيَةُ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ وَقَهْرِهِ حَقِيقَةً فَلَا يَظْهَرُ مَعْنَى الْعِتْقِ.
هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ مُعْتَقٌ بِلِسَانِهِ مُسْتَرَقٌّ بِيَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُعْتِقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ يَدَ الِاسْتِيلَاءِ وَالتَّمَلُّكِ تَنْقَطِعُ بِثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَظْهَرُ مَعْنَى الْعِتْقِ وَهُوَ الْقُوَّةُ الدَّافِعَةُ يَدَ الِاسْتِيلَاءِ وَبِخِلَافِ الْمُسْلِمِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُدِينُ الْمِلْكَ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالْغَلَبَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ عَبْدُهُ حَرْبِيًّا فَأَعْتَقَهُ الْمُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَعْتِقُ مِنْ غَيْرِ تَخْلِيَةٍ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَعْتِقَ عِنْدَهُمَا كَالْحَرْبِيِّ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْحَرْبِيَّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَلَكَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْقَرِيبِ يُوجِبُ الْعِتْقَ فَكَانَ الْخِلَافُ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي الْإِعْتَاقِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَالْإِعْتَاقُ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ تَنْجِيزًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَعْلِيقًا بِشَرْطٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إضَافَةً إلَى وَقْتٍ.
فَإِنْ كَانَ تَنْجِيزًا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيزَ إثْبَاتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute