الْعِتْقِ لِلْحَالِ وَلَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا فَالتَّعْلِيقُ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ: تَعْلِيقٌ مَحْضٌ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَتَعْلِيقٌ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا مِنْ وَجْهٍ وَمُعَاوَضَةً مِنْ وَجْهٍ، وَالتَّعْلِيقُ الْمَحْضُ نَوْعَانِ أَيْضًا: تَعْلِيقٌ بِمَا سِوَى الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ مِنْ الشُّرُوطِ، وَتَعْلِيقٌ بِالْمِلْكِ أَوْ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: تَعْلِيقٌ صُورَةً وَمَعْنًى، وَتَعْلِيقٌ مَعْنًى لَا صُورَةً، فَيَقَعُ الْكَلَامُ فِي الْحَاصِلِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ التَّعْلِيقِ، مَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ وُجُودِهِ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ وَالثَّانِي: فِي بَيَانِ مَا يَظْهَرُ بِهِ وُجُودُ الشَّرْطِ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَالتَّعْلِيقُ الْمَحْضُ بِمَا سِوَى الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ مِنْ الشُّرُوطِ.
فَنَحْوُ التَّعْلِيقِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ زَيْدٍ وَقُدُومِ عَمْرٍو وَنَحْوِ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ صُورَةً وَمَعْنًى لِوُجُودِ حَرْفِ التَّعْلِيقِ وَالْجَزَاءِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ التَّعْلِيقِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ الدَّارَ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ لَيْسَ إلَّا إثْبَاتَ الْعِتْقِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا مَحَالَةَ، وَلَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَا يُوجَدُ الْمِلْكُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ إلَّا إذَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الشَّرْطِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ التَّعْلِيقِ؛ كَانَ الظَّاهِرُ عَدَمَهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ عِنْدَ وُجُودِهِ لَا مَحَالَةَ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ ﷿ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ وَالْجَزَاءُ مَا يَكُونُ غَالِبَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَوْ مُتَيَقَّنَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِهِ لِتَحْصِيلِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ التَّقَوِّي عَلَى الِامْتِنَاعِ أَوْ عَلَى التَّحْصِيلِ فَإِذَا كَانَ الْمِلْكُ ثَابِتًا وَقْتَ التَّعْلِيقِ؛ كَانَ الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاءُ الْمِلْكِ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَحْصُلُ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَكَذَا إذَا أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ كَانَ الْجَزَاءُ مُتَيَقَّنَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَحْصُلُ مَعْنَى الْيَمِينِ فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ، ثُمَّ إذَا وُجِدَ التَّعْلِيقُ فِي الْمِلْكِ حَتَّى صَحَّ؛ فَالْعَبْدُ عَلَى مِلْكِهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ يَعْتِقُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ تَنْحَلُ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ حَتَّى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ فَدَخَلَ الدَّارَ وَهُوَ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ يَبْطُلُ الْيَمِينُ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى اشْتَرَاهُ ثَانِيًا فَدَخَلَ الدَّارَ عَتَقَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ فِي بَقَائِهَا فَائِدَةً لِاحْتِمَالِ الْعَوْدِ بِالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ الْجَزَاءُ عِنْدَ الشَّرْطِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَإِذَا عَادَ الْمِلْكُ وَالْيَمِينُ قَائِمٌ؛ عَتَقَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ.
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا لَا يَعْتِقُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهِ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَلَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا وَهُوَ فِي يَدِهِ؛ حَنِثَ لِوُجُودِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمِلْكِ بِشَرْطَيْنِ يُرَاعَى قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْأَخِيرِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ حَتَّى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْت هَذَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَدَخَلَ إحْدَى الدَّارَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ الدَّارَ الْأُخْرَى يَعْتِقُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَعْتِقُ وَالْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ.
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا يُعْتَبَرُ قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَ الدُّخُولِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدُّخُولَ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَالْيَمِينُ بِالْعَتَاقِ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافَةً إلَى الْمِلْكِ أَوْ بِسَبَبِهِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عِنْدَ الدُّخُولِ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت أَوْ أَحْبَبْت أَوْ رَضِيت أَوْ هَوَيْت أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: إنْ كُنْتِ تُحِبِّينِي أَوْ تُبْغِضِينِي أَوْ إذَا حِضْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَأَخَوَاتِهَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ لَمْ يَشَأْ فُلَانٌ فَإِنْ قَالَ فُلَانٌ: شِئْت فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ لَا يَعْتِقْ لِعَدَمِ شَرْطِهِ، وَإِنْ قَالَ: لَا أَشَاءُ؛ يَعْتِقْ لَكِنْ لَا بِقَوْلِ: لَا أَشَاءُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَشَاءَ فِي الْمَجْلِسِ بَلْ لِبُطْلَانِ الْمَجْلِسِ بِإِعْرَاضِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِشَيْءٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ لَا أَشَاءُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ لَمْ يَشَأْ فُلَانٌ الْيَوْمَ؛ فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَالَ فُلَانٌ: شِئْت لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ قَالَ: لَا أَشَاءُ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَشَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا دَامَتْ الْمُدَّةُ بَاقِيَةً إلَّا إذَا مَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يَشَأْ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ فَقَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت أَنَا فَمَا لَمْ تُوجَدْ الْمَشِيئَةُ مِنْهُ فِي عُمُرِهِ لَا يَعْتِقُ، وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَفْرِيقٍ؛ إذْ الْعَتَاقُ بِيَدِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ لَمْ تَشَأْ فَإِنْ قَالَ: شِئْت لَا يَعْتِقُ؛ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَإِنْ قَالَ: لَا أَشَاءُ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَتَحَقَّقُ بِقَوْلِهِ: لَا أَشَاءُ؛ إذْ لَهُ أَنْ يَشَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَمُوتَ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِذَا قَالَ: لَا أَشَاءُ فَقَدْ أَعْرَضَ عَنْ الْمَجْلِسِ وَهَهُنَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute