للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكِتَابَةِ، فَإِنَّ الْعِتْقَ فِيهَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَالْحَطُّ يُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَفْوِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ، وَكَذَا لَوْ أَدَّى مَكَانَ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَبِلَ لِعَدَمِ الشَّرْطِ.

وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ خَدَمْتَنِي سَنَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَخَدَمَهُ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يُكْمِلَ خِدْمَتَهُ، وَكَذَا إنْ صَالَحَهُ مِنْ الْخِدْمَةِ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي جَعَلَ عَلَيْهِ عَلَى دَنَانِيرَ، وَكَذَا إذَا قَالَ: اخْدِمْ أَوْلَادِي سَنَةً وَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ لَمْ يَعْتِقْ وَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِوُجُودِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً فَلَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالرِّضَا وَعَدَمِهِ وَإِسْقَاطِ بَعْضِ الشَّرْطِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ: إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَدَخَلَ إحْدَاهُمَا وَقَالَ الْمَوْلَى: أَسْقَطْت عَنْك دُخُولَ الْأُخْرَى لَا يَسْقُطُ كَذَا هَذَا.

وَلَوْ أَبْرَأَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ مِنْ الْأَلْفِ لَمْ يَعْتِقْ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُكَاتَبَ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ يَعْتِقُ.

وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ أَدَّيْت لِي أَلْفًا فِي كِيسٍ أَبْيَضَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّاهَا فِي كِيسٍ أَسْوَدَ؛ لَا يَعْتِقُ وَفِي الْكِتَابَةِ يَعْتِقُ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ هَهُنَا يَثْبُتُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ لَا مِنْ طَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ بَاعَ هَذَا الْعَبْدَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَأَدَّى إلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ: لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا فَإِنْ قَبِلَهَا عَتَقَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ وَعَلَى هَذَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ مُطَّرِدٌ عَلَى الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ، وَالْجَزَاءُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمِلْكِ الْقَائِمِ فَكَانَ حُكْمُهُ فِي الْمِلْكِ الثَّانِي كَحُكْمِهِ فِي الْمِلْكِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ لِمُحَمَّدٍ فَهُوَ أَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ دَلَّتْ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْمِلْكِ الْقَائِمِ ظَاهِرًا لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْأَدَاءِ تَحْرِيضُهُ عَلَى الْكَسْبِ لِيَصِلَ إلَيْهِ الْمَالُ وَذَلِكَ فِي الْمَالِ الْقَائِمِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِوُجُودِ الْعِتْقِ الْمُرَغِّبِ لَهُ فِي الْكَسْبِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُطْلَقُ الْمِلْكِ فَإِذَا أَتَى بِالْمَالِ بَعْدَ مَا بَاعَهُ وَاشْتَرَاهُ فَلَمْ يَقْبَلْ لَا يَعْتِقُ لِتَقَيُّدِهِ بِالْمِلْكِ الْقَائِمِ ظَاهِرًا بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَإِذَا قَبِلَ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمُطْلَقُ.

وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَقَبِلَتْ ذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا بِكِتَابَةٍ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مَا لَمْ تُؤَدِّ وَإِنْ كَسَرَتْ شَهْرًا لَمْ تُؤَدِّ إلَيْهِ ثُمَّ أَدَّتْ إلَيْهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الشَّهْرِ لَمْ تَعْتِقْ كَذَا ذَكَرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَهِشَامٍ، وَذَكَرَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَقَالَ: هَذِهِ مُكَاتَبَةٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا، وَإِنْ كَسَرَتْ شَهْرًا وَاحِدًا ثُمَّ أَدَّتْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الشَّهْرِ؛ كَانَ جَائِزًا وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ الْأَجَلَ فَدَلَّ أَنَّهُ كِتَابَةٌ، وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِشَرْطٍ فِي وَقْتٍ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كِتَابَةٌ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ الْيَوْمَ أَوْ دَارَ فُلَانٍ غَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ لَا يَكُونُ ذَلِكَ كِتَابَةً وَإِنْ أَدْخَلَ الْأَجَلَ فِيهِ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَلَمْ تُؤَدِّهَا فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ وَأَدَّتْهَا فِي غَيْرِهِ؛ لَمْ تَعْتِقْ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كِتَابَةً لَمَا بَطَلَ ذَلِكَ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ بِتَرَاضِيهِمَا فَدَلَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِكِتَابَةٍ بَلْ هُوَ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ لَكِنْ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ ثُمَّ التَّعْلِيقُ بِالْأَدَاءِ هَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؟ فَإِنْ قَالَ: مَتَى أَدَّيْت أَوْ مَتَى مَا أَدَّيْت أَوْ إذَا مَا أَدَّيْت فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَعْنَى الْوَقْتِ وَإِنْ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَظَاهِرُ مَا رَوَاهُ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَدُلُّ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: إنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ مَتَى أَدَّيْت أَوْ إنْ أَدَّيْت فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ ثُمَّ فِي كَلِمَةِ: إذَا أَوْ مَتَى لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَكَذَا فِي كَلِمَةِ إنْ وَكَذَا ذَكَرَ بِشْرٌ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ عَطْفًا عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: إنَّ الْمَوْلَى إذَا بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَأَدَّى الْمَالَ عَتَقَ وَيَبْعُدُ أَنْ يَنْفُذَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَأَدَاءُ الْمَالِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا وَالْوَجْهُ فِيهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ فَلَا يَقِفُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ مِنْ قَوْلِهِ: إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِالْأَدَاءِ مُعَلَّقٌ بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَوْ قَالَ: إذَا شِئْت أَوْ مَتَى شِئْت لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَذَا هَهُنَا، وَسَوَاءٌ أَدَّى الْأَلْفَ جُمْلَةً وَاحِدَةً أَوْ عَلَى التَّفَارِيقِ: خَمْسَةٍ وَعَشَرَةٍ وَعِشْرِينَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ حَتَّى إذَا تَمَّ الْأَلْفُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>