الْعِتْقَ بِأَدَاءِ الْأَلْفِ مُطْلَقًا وَقَدْ أَدَّى، وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ فِي مَرَضِهِ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفٌ فَأَدَّاهَا مِنْ مَالٍ اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ اسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ، وَقَالَ زُفَرُ: يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْكَسْبَ حَصَلَ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ فَإِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ عَنْ الرَّقَبَةِ كَانَ مُتَبَرِّعًا فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَ الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ فَكَانَ كَسْبُهُ عِوَضًا عَنْ الرَّقَبَةِ فَيَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يُؤَدَّى مِنْ الْكَسْبِ الْحَاصِلِ بَعْدَ الْقَوْلِ لَيْسَ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى كَكَسْبِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَطْمَعَهُ الْعِتْقَ بِأَدَائِهِ إلَيْهِ فَصَارَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِهِ سَبَبًا دَاعِيًا إلَى تَحْصِيلِهِ فَصَارَ كَسْبُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ فَمَا لَمْ يُؤَدِّ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِجَوَابِ الْأَمْرِ لِأَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ بِالْوَاوِ فَيَقْتَضِي وُجُوبَ مَا تَعَلَّقَ بِالْأَمْرِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَلَوْ قَالَ: أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَا رِوَايَةَ فِي هَذَا وَقِيلَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ الْمَالِ إلَيْهِ لِأَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ قَدْ يَكُونُ بِحَرْفِ الْفَاءِ وَلَوْ قَالَ: أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا أَنْتَ حُرٌّ يَعْتِقُ لِلْحَالِ أَدَّى أَوْ لَمْ يُؤَدِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هَهُنَا مَا يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِحَرْفِ الْجَوَابِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ أَوْ قَالَ: إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَيُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ قِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْأَمَةِ وَقْتُ التَّعْلِيقِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْأَمَةِ وَقْتَ التَّصَرُّفِ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الْوِلَادَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إضَافَةِ الْوِلَادَةِ إلَى الْمِلْكِ فَيَصِحُّ فَإِذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ فَكُلُّ وَلَدٍ تَلِدُهُ فِي مِلْكِهِ يَعْتِقُ وَإِنْ وَلَدَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَا يَعْتِقُ وَتَبْطُلُ الْيَمِينُ بِأَنْ وَلَدَتْ بَعْدَ مَا مَاتَ الْمَوْلَى أَوْ بَعْدَ مَا بَاعَهَا وَلَوْ ضَرَبَ ضَارِبٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا؛ كَانَ فِيهِ مَا فِي جَنِينِ الْأَمَةِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَحْصُلُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَالضَّرْبُ حَصَلَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَكَانَ عَبْدًا فَلَا يَجِبُ ضَمَانُ الْحُرِّ، وَلَوْ قَالَ: إذَا حَمَلْت بِوَلَدٍ فَهُوَ حُرٌّ كَانَ فِيهِ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَحْصُلُ مِنْهَا لِلْحَمْلِ فَالضَّرْبُ صَادَفَهُ وَهُوَ حُرٌّ إلَّا أَنَّا لَا نَحْكُمُ بِهِ مَا لَمْ تَلِدْ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ بِوُجُودِهِ فَإِذَا أَلْقَتْ فَقَدْ عَلِمْنَا بِوُجُودِهِ وَقْتَ الضَّرْبِ فَإِنْ قِيلَ: الْحُرِّيَّةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ حُدُوثِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَلَا نَعْلَمُ ذَلِكَ فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ: لَمَّا حَكَمَ الشَّرْعُ بِالْأَرْشِ عَلَى الضَّارِبِ فَقَدْ صَارَ مَحْكُومًا بِحُدُوثِ الْحَيَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ لَا يَجِبُ إلَّا بِإِتْلَافِ الْحَيِّ وَلَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ بَاعَهَا وَالْحَمْلُ مَوْجُودٌ وَالْحُرِّيَّةُ ثَابِتَةٌ فِيهِ وَحُرِّيَّةُ الْحَمْلِ تَمْنَعُ جَوَازَ بَيْعِ الْأُمِّ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا؛ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِحُصُولِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْبَيْعِ فَلَا يَجُوزُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَإِثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ.
وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ أَوْجُهٍ: إمَّا إنْ عُلِمَ أَيُّهُمَا وُلِدَ أَوَّلًا بِأَنْ اتَّفَقَ الْمَوْلَى وَالْأَمَةُ عَلَى أَنَّهُمَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ، وَإِمَّا إنْ لَمْ يُعْلَمْ بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ، وَإِمَّا إنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ.
فَإِنْ عُلِمَ أَيُّهُمَا وُلِدَ أَوَّلًا فَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ هُوَ الْأَوَّلُ فَهُوَ رَقِيقٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِوِلَادَتِهِ عِتْقُ الْأُمِّ وَهِيَ إنَّمَا تَعْتِقُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَكَانَ انْفِصَالُ الْوَلَدِ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ عِتْقُ الْأُمِّ وَتَعْتِقُ الْأُمُّ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَتَعْتِقُ الْجَارِيَةُ بِعِتْقِهَا وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ هِيَ الْأُولَى لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِعَدَمِ شَرْطِ الْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَالْغُلَامُ رَقِيقٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَالَ لَهُ فِي الْحُرِّيَّةِ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ مُتَقَدِّمًا فِي الْوِلَادَةِ أَوْ مُتَأَخِّرًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَوَّلًا فَذَاكَ شَرْطُ عِتْقِ أُمِّهِ لَا شَرْطُ عِتْقِهِ، وَعِتْقُ أُمِّهِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا فَوِلَادَتُهَا لَمْ تَجْعَلْ شَرْطَ الْعِتْقِ فِي حَقِّ أَحَدٍ؛ فَلَمْ يَكُنْ لِلْغُلَامِ حَالٌ فِي الْحُرِّيَّةِ رَأْسًا فَكَانَ رَقِيقًا عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَأَمَّا الْجَارِيَةُ وَالْأُمُّ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا وَتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ وَتُرَقُّ فِي حَالٍ؛ لِأَنَّ الْغُلَامَ إنْ كَانَ أَوَّلًا عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ أَمَّا الْأُمُّ فَلِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ فِيهَا.
وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَلِعِتْقِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ إذَا عَتَقَتْ؛ عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ بِعِتْقِ الْأُمِّ تَبَعًا لَهَا فَعَتَقَتَا جَمِيعًا وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا لَا يَعْتِقَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْعِتْقِ فِي الْأُمِّ، وَإِذَا لَمْ تَعْتِقْ الْأُمُّ؛ لَا تَعْتِقُ الْجَارِيَةُ لِأَنَّ عِتْقَهَا بِعِتْقِهَا فَإِذًا هُمَا يَعْتِقَانِ فِي حَالٍ وَيُرَقَّانِ فِي حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ الْعِتْقُ فِيهِمَا فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْهُودِ لِأَصْحَابِنَا فِي اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ عِنْدَ اشْتِبَاهِهَا، وَالْعَمَلُ بِالدَّلِيلَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute