كَأَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ عَبْدٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ حَيًّا فَهُوَ حُرٌّ كَمَا فِي الْوِلَادَةِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ أَطْلَقَ اسْمَ الْعَبْدِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَا يُقَيَّدُ بِحَيَاةِ الْعَبْدِ كَمَا فِي الْوِلَادَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِاسْمِ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ اسْمٌ لِلْمَرْقُوقِ وَقَدْ بَطَلَ الرِّقُّ بِالْمَوْتِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ بِإِدْخَالِهِ عَلَيْهِ فَيَعْتِقُ الثَّانِي لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ اسْمٌ لِلْمَوْلُودِ وَالْمَيِّتُ مَوْلُودٌ حَقِيقَةً فَإِنْ قِيلَ: الرِّقُّ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى كَفَنُ عَبْدِهِ الْمَيِّتِ فَالْجَوَابُ: إنَّ وُجُوبَ الْكَفَنِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَكَفَنُهُ عَلَى أَقَارِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مِلْكٌ، وَإِذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْمَيِّتِ؛ صَارَ الثَّانِي أَوَّلَ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ أُدْخِلَ عَلَيْهِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَيَعْتِقُ.
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُ الرَّجُلِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ وَيَقَعُ عَلَى مَا فِي مِلْكِهِ فِي الْحَالِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ شَيْئًا يَوْمَ الْحَلِفِ؛ كَانَ الْيَمِينُ لَغْوًا حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا لِلْحَالِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عِتْقُ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ فِي الْحَالِ وَكَذَا إذَا عُلِّقَ بِشَرْطٍ قُدِّمَ الشَّرْطُ أَوْ أُخِّرَ بِأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ أَوْ قَالَ: إذَا دَخَلْت أَوْ إذَا مَا دَخَلْت أَوْ مَتَى دَخَلْت أَوْ مَتَى مَا دَخَلْت أَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَا فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَكَذَا إذَا قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ أَفْعَلَ وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ لَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُرَادُ بِهِ الْحَالُ عُرْفًا وَشَرْعًا وَلُغَةً أَمَّا الْعُرْفُ: فَإِنَّ مَنْ قَالَ: فُلَانٌ يَأْكُلُ أَوْ يَفْعَلُ كَذَا يُرِيدُ بِهِ الْحَالَ أَوْ يَقُولُ الرَّجُلُ: أَنَا أَمْلِكُ أَلْفَ دِرْهَمٍ يُرِيدُ بِهِ الْحَالَ.
وَأَمَّا الشَّرْعُ: فَإِنَّ مَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَكُونُ مُؤْمِنًا وَلَوْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا يَكُونُ شَاهِدًا، وَلَوْ قَالَ: أُقِرُّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا صَحَّ إقْرَارُهُ.
وَأَمَّا اللُّغَةُ: فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلْحَالِ عَلَى طَرِيقِ الْأَصَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَالِ صِيغَةٌ أُخْرَى وَلِلِاسْتِقْبَالِ السِّينُ وَسَوْفَ، فَكَانَتْ الْحَالُ أَصْلًا فِيهَا وَالِاسْتِقْبَالُ دَخِيلًا فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُصْرَفُ إلَى الْحَالِ وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت بِهِ مَا اُسْتُقْبِلَ مِلْكُهُ؛ عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ لِلْحَالِ وَمَا اُسْتُحْدِثَ الْمِلْكُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الصِّيغَةِ لِلْحَالِ فَإِذَا قَالَ: أَرَدْت بِهِ الِاسْتِقْبَالَ فَقَدْ أَرَادَ صَرْفَ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ، وَيُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ: أَرَدْت مَا يَحْدُثُ مَلِكِي فِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ كَمَا إذَا قَالَ: زَيْنَبُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ ثُمَّ قَالَ: لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى بِهَذَا الِاسْمِ عَنَيْتهَا طَلُقَتْ الْمَعْرُوفَةُ بِظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ وَالْمَجْهُولَةُ بِاعْتِرَافِهِ كَذَا هَهُنَا وَكَذَا لَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ السَّاعَةَ فَهُوَ حُرٌّ أَنَّ هَذَا يَقَعُ عَلَى مَا فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَلَا يَعْتِقُ مَا يَسْتَفِيدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَى لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ السَّاعَةِ الْمَذْكُورَةِ هِيَ السَّاعَةُ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ النَّاسِ وَهِيَ الْحَالُ لَا السَّاعَةُ الزَّمَانِيَّةُ الَّتِي يَذْكُرُهَا الْمُنَجِّمُونَ؛ فَيَتَنَاوَلُ هَذَا الْكَلَامُ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ لَا مَنْ يَسْتَفِيدُهُ بَعْدَهُ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِهِ مَنْ أَسْتَفِيدُهُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ الزَّمَانِيَّةِ يُصَدَّقُ فِيهِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي صَرْفِهِ اللَّفْظَ عَمَّنْ يَكُونُ فِي مِلْكِهِ لِلْحَالِ سَوَاءٌ أَطْلَقَ أَوْ عَلَّقَ بِشَرْطٍ - قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَ - بِأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ؛ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ أَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ فِي أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَرْطٍ فَيَتَنَاوَلُ مَا فِي مِلْكِهِ لَا مَا يَسْتَفِيدُهُ كَمَا إذَا قَالَ: كُلُّ عَبْدٍ يَدْخُلُ الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِهِ مَا اُسْتُحْدِثَ مِلْكُهُ؛ عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ بِالْيَمِينِ وَمَا يُسْتَحْدَثُ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي صَرْفِ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَيَصَدَّقُ فِي التَّشْدِيدِ عَلَى نَفْسِهِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ مَمْلُوكٌ فَالْيَمِينُ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْحَالَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَمْلُوكٌ لِلْحَالِ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ لِانْعِدَامِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَشْتَرِي أَوْ أَتَزَوَّجُ لَا يَحْتَمِلُ الْحَالَ فَاقْتَضَى مِلْكًا مُسْتَأْنَفًا وَقَدْ جَعَلَ الْكَلَامَ أَوْ الدُّخُولَ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ فِيمَنْ يَشْتَرِي أَوْ يَتَزَوَّجُ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ بَعْدَ الْيَمِينِ.
وَلَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ الْيَوْمَ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاسْتَفَادَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ مَمْلُوكًا آخَرَ؛ عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ وَمَا اسْتَفَادَ مِلْكُهُ فِي الْيَوْمِ لَوْ قَالَ: هَذَا الشَّهْرَ أَوْ هَذِهِ السَّنَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَّتَ بِالْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّوْقِيتُ مُقَيَّدًا وَلَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا مَا فِي مِلْكِهِ يَوْمَ الْحَلِفِ؛ لَمْ يَكُنْ مُقَيَّدًا فَإِنْ قَالَ: عَنَيْت بِهِ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ؛ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute