للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُدَبَّرُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَوَلَدَاهُمَا لِمَا قُلْنَا.

أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَطَأَ الْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ مَعَ أَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ مَنْفِيٌّ شَرْعًا إلَّا بِأَحَدِ نَوْعَيْ الْمِلْكِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: ٥] ﴿إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [المؤمنون: ٦] وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُكَاتَبُ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ يَدِهِ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَصَارَ حُرًّا يَدًا فَاخْتَلَّ الْمِلْكُ وَالْإِضَافَةُ، فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَمْلُوكِ، وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلَوْ وَطِئَهَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ، وَإِنْ عَنَى الْمُكَاتِبِينَ عَتَقُوا؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَحْتَمِلُ مَا عَنَى، وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ، وَكَذَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ الَّذِي أُعْتِقَ بَعْضُهُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ، وَيَدْخُلُ عَبْدُهُ الْمَأْذُونُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَا قُلْنَا.

وَأَمَّا عَبِيدُ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهَلْ يَدْخُلُونَ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: لَا يَدْخُلُونَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمْ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَدْخُلُونَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَعَبْدُ عَبْدِهِ مِلْكُهُ بِلَا خِلَافٍ فَيَعْتِقُ، وَلَهُمَا أَنَّ فِي الْإِضَافَةِ إلَيْهِ قُصُورًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ: هَذَا عَبْدُ فُلَانٍ، وَهَذَا عَبْدُ عَبْدِهِ، فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْإِضَافَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى فَقَدْ اُعْتُبِرَ الْمِلْكُ دُونَ الْإِضَافَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَعْتَبِرُ نَفْسَ الْمِلْكِ وَلَا خَلَلَ فِي نَفْسِهِ، وَهُمَا يَعْتَبِرَانِ مَعَهُ الْإِضَافَةَ وَفِي الْإِضَافَةِ خَلَلٌ، وَاعْتِبَارُهُمَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ اعْتَبَرَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا بِقَوْلِهِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي، فَمَا لَمْ يُوجَدَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا يَعْتِقُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ وَبِمَا فِي يَدِهِ لَمْ يَعْتِقْ عَبِيدُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ نَوَاهُمْ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ عَبْدَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ دَيْنًا مُسْتَغْرِقًا لِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ نَوَاهُمْ عَتَقُوا؛ لِأَنَّهُمْ مَمَالِيكُهُ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يُضَافُونَ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِذَا نَوَى وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ عَتَقُوا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعْتِقُونَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِمْ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مُحَمَّدًا لَا يَنْظُرُ إلَّا إلَى الْمِلْكِ، وَهُمَا يَنْظُرَانِ إلَى الْمِلْكِ وَالْإِضَافَةِ جَمِيعًا، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَمْلُوكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَجْنَبِيٍّ، كَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَمْلُوكِ لَا يُسَمَّى مَمْلُوكًا حَقِيقَةً، وَإِنْ نَوَاهُ عَتَقَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْحَمْلُ إنْ كَانَ أَمَةً فِي مِلْكِهِ يَدْخُلُ وَيَعْتِقُ بِعِتْقِهَا، وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ الْحَمْلُ دُونَ الْأَمَةِ بِأَنْ كَانَ مُوصَى لَهُ بِالْحَمْلِ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَمْلُوكًا عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِ خَطَرًا، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت مَمْلُوكَيْنِ فَهُمَا حُرَّانِ، فَاشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا لَمْ يَعْتِقَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ شِرَاءُ مَمْلُوكَيْنِ، وَالْحَمْلُ لَا يُسَمَّى مَمْلُوكًا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي غَيْرِك حُرٌّ، لَمْ يَعْتِقْ حَمْلُهَا، فَثَبَتَ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَمْلُوكِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ، فَلَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً فِي مِلْكِهِ فَيَعْتِقُ بِعِتْقِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ أَجْزَائِهَا.

وَأَمَّا التَّعْلِيقُ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ.

فَهُوَ الْكِتَابَةُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ: أَمَّا الْكِتَابَةُ فَلَهَا كِتَابٌ مُفْرَدٌ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ.

فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ أَلْفَاظِهِ، وَفِي بَيَانِ مَاهِيَّةِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ، وَفِي بَيَانِ مَا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ فِيهِ مِنْ الْبَدَلِ وَمَا لَا يَصِحُّ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَفَسَادِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِينِي أَلْفًا، أَوْ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ أَلْفًا، أَوْ عَلَى أَنْ تَجِيئنِي بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك أَلْفًا، أَوْ عَلَى أَلْفٍ تُؤَدِّيهَا إلَيَّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: بِعْتُ نَفْسَكَ مِنْكَ عَلَى كَذَا، وَوَهَبْتُ لَكَ نَفْسَكَ عَلَى أَنْ تُعَوِّضَنِي كَذَا.

فَهَذَا وَقَوْلُهُ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى كَذَا، أَوْ أُعْتِقَك عَلَى كَذَا سَوَاءٌ، إذَا قَبِلَ عَتَقَ لِمَا ذُكِرَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَيْعَ إزَالَةُ مِلْكِ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ، وَالْهِبَةُ إزَالَةُ مِلْكِ الْوَاهِبِ عَنْ الْمَوْهُوبِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبُ لَهُ مِمَّنْ يَصِحُّ لَهُ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ وَالْمَوْهُوبِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُمَا، وَالْعَبْدُ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ نَفْسَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ، فَنَفْيُ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إلَى أَحَدٍ بِبَدَلٍ عَلَى الْعَبْدِ، وَهَذَا تَفْسِيرُ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ يَعْتِقُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالْقَبُولِ، فَإِذَا قَبِلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْمَالُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ: أَعْتَقَنِي وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَهُ، وَالْمَسْأَلَةُ ذُكِرَتْ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ.

وَأَمَّا بَيَانُ مَاهِيَّتِهِ: فَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى تَعْلِيقٌ، وَهُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِشَرْطِ قَبُولِ الْعِوَضِ، فَيُرَاعَى فِيهِ مِنْ جَانِبِهِ أَحْكَامُ التَّعْلِيقِ، حَتَّى لَوْ ابْتَدَأَ الْمَوْلَى فَقَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ قَبْلَ قَبُولِ الْعَبْدِ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>