واعلم أَنه ليس من شروط الرِّضا أَلاَّ يحسَّ بالأَلم والكاره، بل أَلاَّ يعترض على الحكم ولا يسخط؛ فإن وجود التَّأَلُّم وكراهة النَّفس لا ينافى الرِّضا، كرضا المريض بشرب الدَّواءِ الكريه، ورضا الصَّائم فى اليوم الشديد الحرّ بما يناله من أَلم الجوع والظمإِ.
وطريق الرِّضا طريق مختصرة قريبة جدًّا موصلة إِلى أَجلِّ غاية، ولكنَّ فيها مشقة، ومع ذلك فليست مشقَّتها بأَصعب من مشقَّة طريق المجاهدة، ولا فيها من المفاوز والعَقَبات ما فيها، وإِنما عقبتها همّة عالية ونفس زكيّة، وتوطين النفس على كلِّ ما يَرِدُ عليها من الله، ويسهِّل ذلك على العبد علمُه بضعفه وعجزه، ورحمة ربِّه وبرّه به، فإِذا شهد هذا وهذا ولم يطرح نفسه بين يديه، ويرض به وعنه، وينْجَذِبْ دواعى حبّة ورضاه كلّها إِليه، فنفسه نفس مطرودة عن الله، بعيدة عنه، غير مؤَهَّلة لقربه وموالاته، أَو نفس ممتحنَة مبتلاة بأَصنافِ البلايا والمحن. فطريق الرضا والمحبّة تُسيِّر العبد وهو مستلْقٍ على فراشه، فيصبح أَمام الرّكب بمراحل. وثمرة الرّضا الفرح والسّرور بالله تعالى.
وقال الواسطى: استعمل الرضا جهدك، ولا تدع الرّضا يستعملك فتكون محجوبًا بلذَّته ورؤيته عن حقيقته. وهذا الَّذى أَشار إِليه عقبة