مِنَ الدمع مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق} ، وقوله:{الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} وقد تقدّمت الآيتان.
وإِنَّ الطائفة المتصوّفة -نفع الله بهم- يُرجّحون المعرفة على العلم، وكثير منهم لا يرفع بالعلم رأساً، ويراه قاطعاً وحجاباً دون المعرفة، وأَهل الاستقامة منهم أَشدّ الناس وصِيّة للمريدين بالعلم. وعندهم أَنه لا يكون ولِىٌّ لله كامل الولاية من غير أولى / العلم أَبدًا، فما اتَّخذ الله ولا يتَّخذ ولِيًّا جاهلا. فالجهل رأْس كلّ بدعة وضلال ونقص، والعلم أَصل كلّ خير وهدى.
والفرق بين المعرفة والعلم من وجوه لفظاً ومعنى:
أَمّا اللفظ: ففعل المعرفة يقع على مفعول واحد، تقول: عرفت الدّيار وعرفت زيداً، قال تعالى:{فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} ، وقال:{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} . وفعل العلم يقتضى مفعولين، كقوله تعالى:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} ، وإِذا وقع على مفعول كان بمعنى المعرفة كقوله تعالى:{وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ} .
وأَمّا الفرق من جهة المعنى فمن وجوه:
أَحدها: أَنَّ المعرفة تتعلَّق بذات الشىءِ والعلم يتعلَّق بأَحواله، فتقول: عرفت أَباك وعلِمته صالِحاً، ولذلك جاءَ الأَمر فى القرآن بالعلم دون المعرفة