وقال يحيى بن مُعاذ: يخرج العارف من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه، وثناؤه على ربّه. وهذا من أَحسن ما قيل، لأَنَّه يدلُّ على معرفته بنفسه وعلى معرفته بربّه وجماله وجلاله، فهو شديد الإِزراءِ على نفسه لِهجٌ بالثناءِ على ربّه.
وقال أَبو يزيد: إِنَّما نالوا المعرفة بتضييع ما لَهُم، والوقوف مع ما لَه. يريد تضييع حظوظهم والوقوف مع حقوق الله تعالى. وقال آخر: لا يكون العارف عارفاً حتى لو أُعطى مُلْك سليمان لم يشغله عن الله طَرْفة عين. وهذا يحتاج إِلى شرح، فإِنَّ ما هو دون ذلك يشغل القلب، لكن إِذا كان اشتغاله بغير الله لله فذلك اشتغال بالله.
وقال ابن عطاء: المعرفة على ثلاثة أَركان: الهيبة، والحَياءُ، والأُنْس. وقيل: العارف ابن وقته. وهذا من أَحسن الكلام وأَخصَره. فهو مشغول بوظيفة وقته عمّا مضى وصار فى العدم، وعمّا لم يدخل بعد فى الوجود، فهمّه عمارة وقته الذى هو مادّة حياته الباقية. ومن علاماته أَنه مستوحش ممّن يقطعه عنه. ولهذا قيل: العارف من أَنس بالله فأَوحشه من الخَلْق، وافتقر إِلى الله فأَغناه عنهم، وذلَّ لله فأَعزَّه فيهم، وتواضع لله فرفعه بينهم، واستغنى بالله فأَحوجهم إِليه. وقيل: العارف فوق ما يقول، والعالم دون ما يقول. يعنى أَنَّ العالِم علمُه أَوسع من حاله وصفته، والعارف حاله وصفته فوق كلامه وخبره. وقال أَبو سليمان الدارانى: إِن الله يفتح للعارف وهو على فراشه ما لا يفتح لغيره وهو قائم يصلىِّ.
وقال ذو النون: لكل شىءٍ عقوبة، وعقوبة العارف انقطاعه عن ذكر الله