وقال بعضهم: رياءُ العارفين أَفضل من إِخلاص المريدين. وهذا كلام ظاهره منكر ومحتاج إِلى شرح؛ فإِن العارف لا يرائى المخلوق طلباً لمنزلة فى قلبه، وإِنما يكون ذلك منه نصيحة وإِرشادا وتعليما، فهو يدعو إِلى الله بَعمله كما يدعو إِلى الله بقوله، وإِخلاصُ المريد مقصور على نفسه.
وقال ذو النون: الزُّهَّاد ملوك الآخرة، وهم فقراءُ العارفين.
وسئل الجُنَيد عن العارف فقال: لون الماءِ لون إِنائِه. وهذه كلمة رمز بها إِلى حقيقة العبوديّة، وهو أَنَّه يتلوّن فى أَقسام العبوديّة، فبينا تراه مصلِّيًا إِذْ رأَيته ذاكراً أَو قارئاً أَو متعلمًا أَو معلِّمًا أَو مجاهدًا أَو حاجّاً أَو مساعدًا للضَّيف أَو معيناً للملهوف، فيضرب فى كلِّ غنيمة بسهم. فهو مع المنتسبين منتسب، ومع المتعلِّمين متعلِّم، ومع الغُزَاة غاز، ومع المصلِّين مصلٍّ، ومع المتصدِّقين متصدّق [و] هكذا ينتقل فى منازل العبوديّة من عبوديّة إِلى عبوديّة، وهو مستقيم على معبود واحد لا ينتقل عنه إِلى غيره.
وقال يحيى بن مُعاذ: العارف كائن بائن. وقد فسّر كلامه على وجوه: منها أَنه كائن مع الخَلْق بظاهره بائن عن / نفسه. ومنها أَنَّه كائِن مع أَبناءِ الآخرة بائِن عن أَبناءِ الدّنيا. ومنها أَنَّه كائن مع الله بموافقته، بائن عن النَّاسِ لمخالفته. ومنها أَنَّه داخل فى الأَشياءِ خارج عنها، يعنى [أَن] المريد لا يقدر على الدّخول فيها والعارف داخل فيها خارج منها.