فليس غريبا من تناءَى دياره ... ولكنّ من تَنْأَين عنه غريب
والغربة ثلاثة أَنواع: غربة أَهلِ الله وأَهلِ سنّة رسوله بين هذا الخَلْق، وهى الغربة الّتى مدح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أَهلَها، وأَخبر عن الدّين الذى جاءَ به أَنه بدأَ غريباً وأَنه سيعود غريباً، وأَن أهله يصيرون غُرباءَ، وهذه الغُرْبة قد تكون فى مكان دون مكان، ووقت دون وقت، وبين قوم دون غيرهم، ولكن أَهل هذه الغربة هم أَهل الله حَقّا لم يأَوُوا إِلى غير الله، ولم يأْنسُوا إِلى غير رسوله، وهم الذين فارقوا النّاس أَحوجَ ما كانوا إِليهم. فهذه الغربة لا وحشة على صاحبها: بل هو آنس ما يكون إذا استوحش النّاس، وأَشدّ ما يكون وحشة إِذا استأْنسوا، تولاَّه الله ورسوله والذين آمنوا، وإِن عاداه أَكثر النّاس وجَفَوه. ومن هؤلاءِ الغرباء مَن ذكرهم أَنَس فى حديثه عن النبىّ صلًّى الله عليه وسلّم:"أَلاَ أَخبركم عن ملوك أَهل الجنّة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: كلّ ضعيف أَغبر ذى طِمْرين لا يُؤْبَه له لو أَقسم على الله لأَبرّه". وقال الحسن: المؤمن فى الدنيا كالغريب لا يجزع من ذُلّها، ولا ينافس فى خيرها، للنّاس حال وله حال.
ومن صفات هؤلاءِ التمسّك بالسنّة إِذا رغب عنه النّاس، وترك ما أَحدثوه وإِن كان هو المعروف عندهم. وهؤلاءِ هم القابضون على الجَمْر حقا، وأَكثر النّاس بل كلّهم لائمون لهم.