وقد يكنى بالقبض عن الموت فيقال: قبضه الله. [وقوله تعالى:{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً} إِشارة إِلى نسخ ظل الشمس] . أَخبر الله تعالى فى هذه الآية أَنه بسط الظلّ ومَدَّه وجعله متحركاً تبعاً لحركة الشمس، ولو شاءَ لجعله ساكناً لا يتحرَّك، إِمَّا بسكون المَظْهَر له والدَّليل عليه، وإِمَّا بسبب آخر. ثم أَخبر أَنه قبضه بعد بسطه قبضاً يسيراً، وهو شىء بعد شىء، لم يقبضه جُملة. فهذا من أَعظم آياته الدالَّة على كمال قدرته وحكمته. فندب سبحانه إِلى رؤية صنعه وقدرته وحكمته فى هذا الفَرْد من مخلوقاته، ولو شاءَ لجعله لا صِقاً بأَصل ما هو ظلٌّ له من جَبَل وبناءِ وحَجَر وغيره فَلم يَنتفع به أَحد، فإِن كمال الانتفاع به تابع لمدّه وبسطه وتحوّله من مكان إِلى مكان. وفى مَدّه وبسطه ثُمَّ قَبْضِه شيئاً فشيئاً من المصالح والمنافع مالا يخفى ولا يُحْصَى، فلو كان ساكناً دائماً أَو قُبض دفعة واحدة لتعطلَّت مرافقُ العالم ومصالحُه. وفى دلالة الشمس على الظِّلال ما تُعرف به أَوقات الصَّلوات، وما مضى من اليوم وما بقى منه، وفى تحرُّكه وانتقاله ما يَبْرد ما أَصابه حرّ الشمس، وينتفع الحيوان والشجر والنَّبات. فهو من آيات الله الدَّالَُّة عليه.
وفى الآية وجه آخر. وهو أَنه سبحانه مَدّ الظل حين بنا السَّماء كالقُّبة المضروبة، ودحا الأَرض عنها، فأَلقت القبّة ظلها عليها، فلو شاء سبحانه لجعله ساكنا مستقرا فى تلك الحال، ثم خلق الجبال ونصبها دليلا على ذلك