مقتضٍ للانتفاء. أَما إِذا كان ممَّا قد يتصوّره العقل مقتضياً فألاَّ يلزم عند انتفائه أَولى وأَحرى. وهذا لأَن الحكم إِذا كان لا يوجد مع وجود المقتضِى فأَلاَّ يوجد عند انتفائه أَولى. فمعنى (لو) فى الآية أَنه لو وجد الحكم المقتضِى لما وُجد الحكم، لكن لم يوجد فكيف يوجد. وليس المعنى: لكن لم يوجد فوجد؛ لاِمتناع وجود الحكم بلا مقتضٍ.
فالحاصل أَن ثمّ أَمرين: أَحدهما: امتناع الحكم لامتناع المقتضِى. وهو مقرر فى بدائه العقول؛ وثانيهما: وجوده عند وجوده، وهو الذى أَتت (لو) للتنبيه على انتفائه مبالغة فى الامتناع. فلولا تمكُّنها فى الدلالة على الامتناع مطلقا لما أُتى بها. فمن زعم أَنها والحالة هذه لا تدل عليه فقد عكس ما يقصده العرب بها، فإِنها إِنما تأْتى بلو هنا للمبالغة فى الدلالة على الانتفاء؛ لما للو من التمكُّن فى الامتناع.
فإِذا تبين هذا أَنقله إِلى الأَثر وغيره، فنقول: لو لم يخف اللهَ لم يعصه لِمَا عنده من إِجلال الله تعالى والخشية، وإِذا لم يخف يكون المانع واحدا وهو الإِجلال. فالمعصية منتفية على التقديرين، وجئ بلو تنبيها على الامتناع بالطريقة التى قدَّمناها لا على مطلق الامتناع.
فإِن قلت: قوله لو لم يخف لم يعص إِذا جعلنا لو للامتناع صريح فى وجود المعصية، مستندا إِلى وجود الخوف، وهذا لا يقبله العقل. قلنا: المعنى: لو انتفى خوفه انتفى عصيانه، لكن لم ينتف خوفه فلم ينتف عصيانه مستنداً إِلى أَمر وراءَ الخوف.