الثالث: بمعنى تنزيه القَلْبِ عن الذُّنوب، وهذه هى الحقيقة فى التَّقْوَى دُون الأَوَّلَيْن، أَلا ترى إِلى قوله تعالى:{وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ الله وَيَتَّقْهِ فأولائك هُمُ الفآئزون} ، ذكر الطَّاعة والخشيةَ ثمّ ذكر التَّقْوَى، فعلمت بهذا أَنّ حقيقة التقوَى بمعنى غير الطاعة والخشية، وهى تنزيه القلب عمّا ذكرناه.
ومَنازِل التقوَى ثلاثةٌ على ما ذكره الشيوخ الجِلَّة: تَقْوَى عن الشِّرْك، وتَقْوَى عن البِدْعَة؛ وتقوَى عن المعَاصِى الفرعيّة. وقد ذكرها الله سبحانه فى آية واحدة وهى قوله عزَّ وجلَّ:{لَيْسَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جُنَاحٌ فِيمَا طعموا إِذَا مَا اتقوا وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ والله يُحِبُّ المحسنين} ، التَّقْوَى الأُولَى تَقْوَى عن الشِّرْك، والإِيمانُ فى مقابَلَة التوحيد؛ والتَّقْوَى الثانية عن البِدْعَة، والإِيمانُ المذكورُ معها إِقرارُ السُنَّةِ والجمَاعة؛ والتَّقْوَىَ الثالثة عن المعاصِى الفرعيّة، والإِقرار فى هذه المنزلة قابَلَها بالإِحْسانِ وهو الطَّاعة والاستِقامة عليها.
قال الغزالى: ووجدت التَّقْوى بمعنى اجْتِناب فُضولِ الحلالِ، وهو ما فى الخَبَر المشهور عن النبىّ صلَّى الله علهي وسلَّم أَنَّه قال:"إِنَّما سُمِّىَ المُتَّقُونَ متقين لِتَرْكِهِم مَالاَ بأَسَ حَذَراً عمّا به بَأسٌ" فأَحببت أَن أَجمع بين ما قالَه عُلماؤنا وبين ما فى الخبر النَّبوىّ فيكون حَدّاً جامِعاً، ومعنى بالِغاً فأَقول: التَّقْوَى اجْتِناب ما تَخاف ضرراً فى دِينِكَ وذلك