للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطلَبِه العالِى إِلى مجرّد العَمَل والعِبادة دون السّفر بالقلب إِلى الله ليحصلَ له ويفوزَ به فإِنَّه طالبٌ لربّه تعالى طلباً تامّاً بكلّ مَعْنَىً واعتبار فى عَمَله، وعِبادَتِه ومناجاتِه، ونَوْمِه ويَقَظَته، وحَرَكَته وسكُونه، وعُزلته وخُلْطته وسائر أَحواله، فقد انصبغ قلبُه بالتوجُّه إِلى الله تعالى أَىّ ما صِبْغَة. وهذا الأَمر إِنما يكون لأَهل المحبّة الصّادقة، فهم لا يقنعون بمجرّد رُسوم الأَعمالِ وبالاقتصار على الطلب حال العَمَل فقط. وأَمَّا أَنَفَتُه من الثَّقة بالأَمَل، فإِن الثقة تُوجب الفُتور والتَّوانى، وصاحبُ هذه الهمّة من أَهل ذلك، كيف وهو طائرٌ لا يُصاد.

والدّرجة الثالثة: هِمَّة تتصاعد عن الأَحوال والمعاملات، وتزول بالأَعواض والدّرجات، وتَنْحُو عن النُّعوتِ نحو الذات. والتَّصاعُد عن المعاملات ليس المراد به تعطيلها بل القيام بها مع عدم الالتفات إِليها. ومعنى الكلام أَنَّ صاحب هذه الهمَّة لا يقف على عِوَض ولا درجة، فإِنَّ ذلك نزولٌ من هِمَّته، ومطلَبُه أَعلَى من ذلك. فإِن صاحبَ هذه الهمّة قد قَصَر همّتَه على المطلب الأَعلَى الَّذى لا شىء أَعلى منه، والأَعواضُ والدرجات دونه، وهو يعلم إِذا حصل هناك حصل له كلُّ درجة عالية، وأَعْواضٌ شَتىَّ. وأَمّا نَحْوُها نَحْوَ الذات، فالمراد به أَنَّ صاحب هذه الهمّة لا يقتصر على شُهودِ الأَفْعال ولا الأَسْماءِ والصِفات بل ينحو نَحْو

<<  <  ج: ص:  >  >>