ومن الخمس:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فى موضعين، وليس لهما نظير. وخُصّتا بالفكر؛ لأَن الأُولى متصلة بقوله:{يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع والزيتون والنخيل والأعناب وَمِن كُلِّ الثمرات} وأَكثرها للأَكل، وبه قوام البدن، فيستدعى تفكيراً وتأَمّلاً، ليعرف به المنعِم عليه فيشكره. والثانية متَّصلة بذكر النحل، وفيها أُعجوبة: من انقيادها لأَميرها، واتِّخاذها البيوت على أَشكال يعجز عنها الحاذق منَّا، ثم تتبُّعها الزَهَر والطلى من الأَشجار، ثم خروج ذلك من بطونها لُعابا أَو وَنِيما، فاقتضى ذلك فكراً بليغاً، فختم فى الآيتين بالتفكُّر.
قوله:{وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} ، وفى الملائكة:{وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ} ، ما فى هذه السورة جاءَ على القياس؛ فإِن (الفُلك) المفعولُ الأَوّل لترى، و (مَوَاخِرَ) المفعول الثانى، و (فيه) ظرف، وحقُّه التأَخُّر. والواو فى (ولتبتغوا) للعطف على لام العلة فى قوله: {لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ} . وأَمّا فى الملائكة فقدّم (فيه) موافقة لما قبله، وهو قوله:{لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِّيًّا} فقدّم الجارّ والمجرور، على الفعل والفاعل، ولم يزد الواو على (لتبتغوا) لأَن اللام فى (لتبتغوا) هنا لام العلة، وليس يعطف على شىء قبله. ثم إِن قوله:{وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ} و {فِيهِ مَوَاخِرَ} اعتراض فى السورتين يجرى مجرى المثل، ولهذا وَحّد الخطاب،