وحقيقة الأَمر أَنَّ التوكُّل: حال مركَّب من مجموع أُمورٍ لا يتمّ حقيقة التَّوكُّل إِلاَّ بها. وكلّ أَشار إِلى واحدٍ من هذه الأُمور، أَو اثنين أَو أَكثر. فأَوّل ذلك معرفة الرّبّ وصفاتِه: من قدرته، وكفايته، وفيوضه، وانتهاءِ الأُمور إِلى علمه، وصدورها عن مشيئته، وقدرته. وهذه المعرفة أُولى درجة والثَّانية إِثبات الأَسباب والمسبّبات، فإِنَّ مَنْ نفاها فتوكّله مَزْح. وهذا عكس ما يظهر فى بادئ الرّأْى: من أَنَّ إِثبات الأَسباب يقدح فى التوكُّل. ولكنّ الأَمر بخلافه: فإِنَّ نُفَاةَ الأَسباب لا يستقيم لهم توكُّل البتَّة. فإِنَّ التوكُّل أَقوى الأَسباب فى حصول المتوكَّل به؛ فهو كالدّعاءِ الذى جعله الله سبباً فى حصول المدعُوّ به.
الدّرجة الثالثة رسوخ القلب فى مقام التَّوحيد؛ فإِنَّه لا يستقيم توكُّله حتى يصحّ توحيده.
الدرجة الرابعة اعتماد القلب على الله تعالى، واستناده عليه، وسكونه إِليه، بحيث لا يبقى فيه اضطراب من جهة الأَسباب.
الخامسةُ حُسن الظنّ بالله. فعلى قدر حسن ظنِّك به يكون توكُّلك عليه.
السّادسة استسلام القلب له، وانجذاب دواعيه كلِّها إِليه.
السّابعة التفويض. وهو رُوح التوكُّل، ولُبّه، وحقيقته. فإِذا وَضَع قدمه فى هذه الدّرجة انتقل منها إِلى درجة الرضا وهى ثمرة التوكُّل. ونستوفى الكلام عليه إِن شاءَ الله تعالى فى محلِّه من المقصد المشتمل على علم التَّصوّف.