قيل له: هذا مذهب المتكلمين، فأما الفقهاء فإن مذهبهم أن الإيمان: تصديق بالقلب وقول باللسان (١)، وأن الكافر لا يحكم بإيمانه بمجرد التصديق، وعلى أنه إن لم يسلم ذلك فرضناه فيمن أسلم، وليس وقته صادق بخبر عن اعتقاده فقال: أنا مصدق بقلبي غير أني لا أشهد بلساني، فلا خلاف أنه لا يقبل منه ذلك، فلا يحكم بإيمانه.
فإن قيل: إنما لم يقبل منه؛ لأنا نستدل على كذبه فيما أخبر به؛ لأنه لا مشقة عليه في إيرادها، فإذا امتنع منها اتهمناه في اعتقاده، وليس كذلك في الصلاة إذا أخبر أنه يعتقد وجوبها وامتنع من فعلها؛ لأنه قد يتركها لما عليه من المشقة في فعلها فلا يتهم في خبره أنه معتقد لوجوبها.
قيل له: قد يعتقد الشهادتين، ويتركها تكبرًا، وأنفة، وخوف العار، فكان يجب أن يصدق في خبره أنه معتقد لها، والدلالة على ذلك: قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}[النمل: ١٤]، قال قتادة: جحدوا بإيمانها واستيقنتها أنفسهم أنها من عند الله، قال: والجحد لا يكون إلا بعد المعرفة.
وقال تعالى:{فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ}[الأنعام: ٣٣]، قال الحسن: المعرفة في قلبهم أنه واحد.
(١) الإيمان: اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، يزيد وينقص. ينظر: الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام ص ١٠، والإيمان لابن أبي شيبة ص ٥٠.