للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى أبو بكر بإسناده عن معاذ - رضي الله عنه - قال: جئت أطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منزله، فلم أجده، فخرجت في طلبه، فوجدته عند سلع (١) ساجدًا حتى أهوى، فجلست خلفه أنتظره، فلم يزل ساجدًا حتى ظننت أن الله تعالى قد قبض روحه، فرفع رأسه، فقال: "ألا أخبرك؟ "، قلت: بلى يا رسول الله، قال: "أتاني جبريل - عليه السلام - قال: يا محمد! إن ربك يقول: ما أصنع بأمتك من بعدك؟ قلت: ذاك إلى الله يصنع بهم ما أحب، فذهب ثم رجع، فقال: إن ربك يقول: إني أَسُرُّكَ في أمتك، فحمدتُ الله سرورًا لأمتي، وشكرته، ولو علمت شيئًا أجلَّ من السجود، لفعلت" (٢).

فإن قيل: أنتم تستحبون سجود الشكر عند تجدد نعمة ظاهرة، وليس هذا من النعمة الظاهرة، فلا دلالة في الخبر على موضع الخلاف.

قيل له: نزول جبريل - عليه السلام - بهذا من النعم الظاهرة، والبشارة السارة التي تقتضي السجود لشكرها، ويزيد على كل نعمة مما يستحب له السجود؛ من سلامة مال من غرق، أو سلامة دار من حرق، أو بلوغ أمل من قربة وطاعة، وتجدد رزق من مال، وولد، وزوجة، وما أشبه ذلك، وهذا لا يخفى على أحد، فسقط هذا السؤال.

فإن قيل: نحمل هذا على الجواز، ونحن نجيز ذلك.

قيل له: مذهب أبي حنيفة - رحمه الله - المعروف: أنه مكروه،


(١) سَلْع: قال الحموي: (بفتح أوله وسكون ثانيه … : جبل بسوق المدينة، قال الأزهري: سلع: موضع بقرب المدينة)، معجم البلدان (٣/ ٢٣٦).
(٢) لم أجده.

<<  <  ج: ص:  >  >>