للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كفره، فهو كالكافر الأصلي، ولم يسقط القضاء عنه؛ لأن عمله انحبط، بل لأجل مقاربة الترك للكفر (١)، وليس يمتنع مثلُ هذا، ألا ترى أن الحيض إذا قارب وقت الصلاة، منع الإيجاب، وإذا طرأ بعد الإيجاب، لم يسقطه؟ وكذلك الجنون، والنفاس، والذي يدل على أن الردة لا تحبط العمل: قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: ٢١٧]، فأخبر أن المرتد الذي يحبط عمله هو الذي يموت على ردته، فعلق حبوط العمل بشرطين: أحدهما: الردة.

والثاني: الموت عليها، وهذا يقتضي جنس الكفار، فلا بنفي (٢) كافرًا ينحبط عمله إلا بالردة والموت، وعندهم: ينحبط عمله بأحد الشرطين، وهو: الردة فقط، والذي يدل على أنه يقتضي الجنس: إدخال الألف واللام في قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [البقرة: ٢١٧]، وهذا كقوله: من قتل عمدًا مكافئًا، فأولئك الذين وجب عليهم القتل، ومن تعدى في الوديعة، فأولئك عليهم الضمان؛ فإنه ينفي وجوبَ القتل بغير العمد، ووجوبَ الضمان بغير عدوان، كذلك ها هنا.

فإن قيل: الشرطان أفادا الخلود، ولم يفيدا حبط العمل، ألا ترى أنه بيَّن ذلك بقوله تعالى: {وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٢١٧]، ولم يرجع إلى حبط العمل؟


(١) كذا في الأصل.
(٢) كذا في الأصل، وقد تكون: يبقى.

<<  <  ج: ص:  >  >>