وأما سائر العبادات، فإنما لم يقضها؛ لأنه لم يفعل لمثلها في هذا الإسلام الثاني، وليس كذلك الحج؛ لأنه لا يفعل أمثاله، ولهذا قالوا: لو بلغ الصبي في الصلاة، أو بعد الفراغ منها في وقتها، لم يقضها، وأجزأته، ولو بلغ بعد أن حج، كان عليه الإعادة، وكلُّ فرقٍ لهم في حق الصبي بين الصلاة والحج، هو فرقنا؛ ولأن تلك العبادات تكثر، فيشق، وهذا لا يكثر، فلا تلحق المشقة.
فإن قيل: فما تقولون فيه إذا صلى في أول الوقت، ثم ارتد، ثم أسلم في آخر الوقت، هل يلزمه إعادة الصلاة ثانية، أم لا؟
قيل: لا نعرف عن أصحابنا رواية في ذلك، وقياس قولهم: لا يعيد؛ لأن من أصلهم: أن الردة لا تحبط العمل، وهذه العبادة فعل أمثالها في هذا الإسلام، ويفارق الحج، لأنه لا يفعل أمثاله في هذا الإسلام، فلهذا لزمه إعادتها، ويفارق هذا الصبي إذا صلى، ثم بلغ في الوقت: أنه يعيد في غير وقت الوجوب، ها هنا فعلها في حال وجوبها بشرائطها، وهي مما يتكرر أمثالها، فلهذا لم يلزمه الإعادة.
واحتج بعضهم: بأن الردة سبب إذا قارن الحج، أبطله، فإذا طرأ بعده، لم يبطله، دليله: الوطء.
والجواب: أنا نقول بموجبه، وأن الردة الطارئة لا تبطل الحج، وإنما تمنع الاعتداد به، كما نقول في المريض إذا صلى الظهر في منزله، ثم حضر الجامع، فإن حضوره يمنع الاعتداد بما فعله، ولا نقول: إن ذلك