للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه الرواية الأولة: أنا قد بيّنّا - فيما تقدم -: أن موت هذه الأشياء في الماء لا يفسده (١)، فلو كان دمها نجسًا، لأفسده؛ كالشاة إذا ماتت في الماء، ولأنه دم غير سائل، فكان طاهرًا، دليله: الكبد، والطحال، ولا يلزمه عليه الدمُ الذي يخرج (٢) على رأس الجرح، ولا يسيل: أنه نجس؛ لأنا نريد بقولنا: غير سائل: أنه مع وجود السبب الموجب لسيلانه لا يسيل، وهو قتل هذا الحيوان.

واحتج المخالف بعموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: ٣].

والجواب: أن المراد به: الدمُ السائل؛ بدليل قوله تعالى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: ١٤٥]، فحرم منها ما كان مسفوحًا، ودم البق، والبراغيث غيرُ مسفوح؛ ولأن التحريم ورد على الوجه الذي كانوا يستبيحونه، وهم كانوا يفصدون البهيمة، ويشربون دمها، ولا يتكلفون ليسير (٣) دم البق والبراغيث، فالتحريم ورد على ما كانوا عليه.


(١) نسب ابن المنذر - رحمه الله - هذا القول إلى عوام أهل العلم. وقال أبو الخطاب - رحمه الله -: (لأن المسألة إجماع، فإن من لدن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإلى وقت الشافعي يقع الذباب والبق في الماء … ولم ينقل عن أحد منهم أنه أراق ذلك، ورآه نجسًا). ينظر: الأوسط (١/ ٢٨٢)، والانتصار (١/ ٤٩٢)، والمغني (١/ ٦٠)، والإقناع في مسائل الإجماع (١/ ٧٦).
(٢) في هامش المخطوط مكتوب: يظهر، والمثبت هو المكتوب في الأصل.
(٣) في الأصل: يسيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>