فإن قيل: أكثر الذي يبقى في الثوب إنما كان طاهرًا؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منه.
قيل له: لا يمكن الاحتراز من نجاسته أيضًا؛ لأن العادة أن النجاسة إنما تغسل بماء يسير، وليس العادة أنها تُحمل إلى المياه الكثيرة، والجارية، فلو قلنا: إنها تنجس بالملاقاة، كان فيه مشقة، فلا فرق بينهما.
فإن قيل: البلل إنما كان طاهرًا؛ لأنه لم يلاق النجاسة، وإنما لاقى ما جاور النجاسة، وهو الماء الذي أزيل به النجاسة، ومن أصلنا: أن ما نجس بالمجاورة، لم ينجس ما جاوره، والدليل على ذلك: الفأرة إذا وقعت في السمن المائع: أن ما لاقى الفأرة نجس، وما جاور ذلك الموضع طاهر؛ لأنه جاور ما نجس بمجاورة النجاسة.
قيل: هذا لا يصح؛ لأن البلل هو من جملة الماء الذي لاقى النجاسة، فكان يجب أن يكون نجسًا على قولك؛ لأنه لاقى النجاسة، ولم يلاق ما جاور النجاسة، وقد أجمعنا على طهارته، عُلِم أن المعنى ما ذكرنا، ولا يشبه هذا السمن إذا كان جامدًا، فوقعت فيه فأرة: أنه تنجس ما جاور الفأرة حسب؛ لأن ما جاور مكان النجاسة هو جامد، ولم تلاقه النجاسة، وإنما لاقت محلها حسب، والجامدات إنما تنجس بملاقاة النجاسة، فلهذا لم يكن نجسًا، وما اختلفنا فيه من الماء المزال به النجاسة مائع، والبلل بعضه، فلما كان البلل طاهرًا (١)، وجب أن يكون نفسه طاهرًا.