فإن قيل: إنما لم يجز التيمم؛ لأنا نتيقن أن الأرض أحالت جميع أجزاء النجاسة إلى طبعها، ويجوز أن يكون قد ذهب أثرها، وهناك أجزاء نجسة باقية، وقد تيقنا أنها خففت حكمها حتى صيّرتها بمنزلة النجاسة اليسيرة، ويسيرُ النجاسة لا يمنع جواز الصلاة، ويمنع جوازَ الطهارة، فلذلك منعنا جواز التيمم، ولم نمنع جواز الصلاة.
قيل له: قولك: إنا قد تيقنا أنها خففت حكمها حتى صيّرتها بمنزلة النجاسة اليسيرة، لا نسلِّم لك هذا، بل هي على حالها، ولكنها خفت كما خفت على البساط، والثوب.
ولأن النجاسة إذا كانت منبسطة، فكل جزء أشرنا إليه من البقعة كان محكومًا بنجاسته، بدلالة امتناع جواز التيمم به، وإذا كان كذلك، حصلت النجاسة أكثر من قدر الدرهم، وذلك يمنع جواز الصلاة.
واحتج المخالف: بأن من شأن الأرض أن تقلب الأشياء إلى طبعها، فيصيرها أرضًا، قال الله تعالى:{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا}[الكهف: ٨]، فأخبر أن ما على الأرض يجعله أرضًا، فإذا كان من شأن الأرض ما ذكرنا، دل ذهابُ أثرها، على أن الأرض أحالتها إلى طبعها، فيصيرها أرضًا، ويوجب ذلك تخفيف حكمها، وكونها بمنزلة النجاسة اليسيرة التي لا تمنع جواز الصلاة، وليس كذلك البساط إذا أصابته نجاسة، وجفت وذهب أثرها: أن الصلاة لا تجزئ عليها؛ لأنه ليس من شأن البساط أن يقلب الأشياء إلى طبعه، فذهاب أثره لا يوجب تخفيف حكمها.