دليلنا: قوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}[النساء: ٤٣]، فاسم الصلاة يعبَّر به (١) عن موضع الصلاة، قال الله تعالى:{لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ}[الحج: ٤٠]، وأراد به: موضع الصلاة؛ بدلالة قوله تعالى:{إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}؛ يعني: المجتاز؛ لأن العبور على فعل الصلاة لا يمكن، وإنما يحصل ذلك في موضع الصلاة، فيصير تقدير الآية: لا تقربوا موضع الصلاة وأنتم جنب إلا عابري سبيل، فاستثنى المجتاز من جملة النهي.
فإن قيل: الصلاة اسم لهذه الأفعال المخصوصة حقيقة، فيجب أن نحمله عليها.
قيل له: وقد يستعمل ذلك في بيوت الصلاة ومكانها، وهي المساجد، فحذف المضاف، وذلك لغة مستعملة، ومجاز متأوَّل مشهور في لغتهم يجرى مجرى الحقيقة؛ لكثرة استعماله، وفي القرآن الكريم نحو من ألف موضع، قال الله تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}[يوسف: ٨٢]؛ يعني: أهل القرية، وقال تعالى:{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ}[البقرة: ٩٣]؛ يعني: حب العجل، وقال تعالى:{لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ}[الحج: ٤٠]؛ أي: بيوت الصلوات، وقال تعالى:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}[الإسراء: ١١٠]؛ أي: بقراءة صلاتك، وقال تعالى:{ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ}[مريم: ٣٤]؛ أي: صاحب قول الحق، وقال
(١) في الأصل: بعبرته، ينظر: رؤوس المسائل للعكبري (١/ ٢٦٣).