فإن قيل: يُحمل النهي على الصفة التي صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقته، وهو أنه صلى بهم جالسًا، وهم جلوسٌ، فيكون قوله:"لا يؤمن أحدٌ بعدي جالسًا" على تلك الصفة.
قيل له: من حمل النهيَ على ظاهره وإطلاقِه أولى ممن أضمر فيه؛ لأن الإضمار تركُ حقيقة، ودخولٌ في المجاز، وعلى قولهم يحصل قوله:"لا يؤمن أحدٌ بعدي" قاعدًا بقعود، وعلى أن النهي انصرف إلى الإمام، وإذا حملوا الخبر على صلاة المأموم، حصل النهي منصرفًا إلى المأمومين؛ لأن الإمام غير مؤاخَذ بجلوسهم، وإنما ينصرف النهي إلى إمامته جالسًا بقيام.
والقياس: القيام ركن من أركان الصلاة، جاز أن يمنع القادر من الاقتداء بالعاجز عنه؛ دليله: القارئ لا يجوز أن يقتدي بالأمي، أو نقول: فجاز أن يؤثر في منع الإمامة، ولا يلزم عليه إذًا اقتداء بإمام الحي؛ لأن التعليل للجواز، فلا يلزم عليه الأحوال، ولا يلزم عليه المتيمم إذا صلى بالمتطهرين أنه يجوز، وإن كان الإمام عاجزًا عنه؛ لقولنا: ركن، والطهارة لا توصف بأنها ركن، وإنما هي شرط لتقدمها على الصلاة.
فإن قيل: لنا في الاقتداء بالأمي قولان: أحدهما: الجواز، فلا نسلم الأصل.
قيل له: إنما قال في القديم: يصح، وفي الجديد: لا يصح، وهو الصحيح عنه (١).