وهذا كما يقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فعل فعلًا لا يدل على الوجوب، احتمل أن يكون فعله ندبًا، أو واجبًا، أو مباحًا، ويخالف هذا: إذا صلى في دار الكفر؛ لأنه قد زال عنه وجوه الاحتمال؛ لأنه لا يحتمل أن يكون تقية، ولا أن يكون تقربًا إلى المسلمين، فاستدل على إسلامه، واعتقاده له، ولا يلزم عليه الشهادتان؛ لأنها صريح، وليست بكناية، فهو كصريح الطلاق وكنايته.
والجواب: أنه لا فرق بين الصلاة، وبين الشهادتين؛ لأن الشهادتين إنما هي دلالة على اعتقاده للإيمان؛ لأن الإيمان يحصل باعتقاده، والشهادة دلالة عليه، والصلاة بهذه المثابة دلالة على إيمانه، وقولهم: إن الشهادة صريح، ليس بصحيح من الوجوه التي ذكرنا.
فإن قيل: فيقولون (١): إن هذه الصلاة صحيحة أم باطلة؟
قيل: في ظاهر الحكم نحكم بصحتها؛ لأننا قد بينا أنها يستدل بها على إسلام سابق؛ كما قالوا هم في الصلاة في دار الحرب في حق المرتد، ويحمل أمره على الصحة، وأن الإسلام قد سبق، وإن أخبرنا عن حاله، وقال: لم يتقدم هذه الصلاة إسلام، قلنا: هي باطلة؛ لعدم شرطها الذي هو الإيمان، ولكن يلزمه الإيمان، كما قلنا في صلاة المرتد في دار الحرب، إذا قال: لم يسبق مني إيمان، حكم ببطلانها، وحكم بإسلامه، لأننا لا نصدقه في ذلك.