للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذن، لا نجيز الوكالة في شيء من العبادات إلا فيما ورد به الشرع؛ هذا هو الأصل، ولننظر أولًا: الصلاة؛ هل ورد التوكيل فيها؟ لا، أبدًا، لا فرضها ولا نفلها. هل ورد قضاؤها عمن مات وعليه صلاة؟ لا، لم يرد، لا في الفرض ولا في النفل.

إذن الصلاة لا تصح الوكالة فيها، لا في حال العجز، ولا في حال القدْرة، ولا في الفرض، ولا في النفل.

الزكاة، تصح الوكالة فيها؟ نعم، تصح الوكالة فيها للعاجز والقادر، يعني يصح أن يُوكِّل القادر شخصًا يؤدي زكاته إلى الفقراء، حتى لو قال له: خُذ زكاتي من مالي وهو لا يعلم عنها، قال: أحصِ مالي، وخُذْ زكاته، وتصدَّق به على الفقراء، فإن ذلك جائز؛ لأن الوكالة في الزكاة لها صورتان:

الصورة الأولى: أن يُحصي الإنسان مالَه ويعرف زكاته، ويأخذها، ثم يُسلِّمها إلى الوكيل، وهذا لا إشكال فيه، والثمرة التي تحصل بأداء الزكاة تحصل في هذه الحال أو لا؟ تحصل؛ لأن الإنسان يشعر الآن بأنه أخرج من محبوباته ما يكره أن يخرج منها، لكن الله يحب ذلك، فأخرجها لله.

الصورة الثانية: أن يُوكِّل شخصًا في إحصاء ماله ويقول: أحصِ مالي وأخرِجْ زكاته. هذا لا شك أنه لن يكون في قلبه ما كان في قلب الأول؛ لأنه لا يحس بأنه أخرج شيئًا معينًا تتعلق به النفس من ماله المحبوب إليه، لكن مع ذلك تصح الوكالة أو لا؟ تصح الوكالة.

وهذا ثابت بالسُّنَّة، وإذا ثبت بالسُّنَّة فهي الفاصل، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُوكِّل في إخراج الزكاة، ويُوكِّل في حفظها، ويُوكِّل في قبضها صلوات الله وسلامه عليه.

طيب، وإذا صحت الوكالة في الزكاة فلا فرْق بين أن يُعيِّن المدفوع له أو لا يُعيِّن، بأن يقول: ادفعْ زكاتي لفلان، أو يقول: ادفعها لمستحق. لا فرق، لكنه إذا عيَّن الجهة فإن الوكيل لا يصرف الزكاة في غيرها إلا بعد مراجعة الموكِّل، لو قال: أعطها فلانًا، لا يمكن أن يصرفها لغيره إلا بإذن موكله؛ لأن الوكيل محدود تصرفه بما وُكِّل فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>