للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فنقول لهذا: إن كنت قادرًا فحُج بنفسك، وإن كنت عاجزًا فلم يُوجِب الله عليك الحج؛ لا تحج، هكذا نقول لمن حجه نفل وأراد أن يُوكِّل، نقول له: إن كنت قادرًا فحج بنفسك، ولا تجلس نائمًا على الفراش، وغاية ما عندك أن عندك الملايين أعطيت من هذه الملايين خمسة آلاف مثلًا لواحد يحج عنك، أيش الفائدة؟ الصدقة بهذه الخمسة آلاف أفضل بكثير من أن تُقيم من يحج عنك، وإعانة حاج لفرضه بهذه الخمسة أفضل من أن يحج عنك نفلًا.

بقينا فيما إذا كان عاجزًا عجزًا لا يرجى زواله، وأراد أن يُعطي شخصًا يحج عنه نافلة، هل يجوز أو لا؟ لا يجوز، بناءً على القاعدة؛ لأن ذلك إنما ورد في الفريضة، والفريضة لا بد منها، إن فعلها الإنسان بنفسه فهذا المطلوب، وإن لم يفعلها فبنائبه، النافلة ما هي فريضة حتى نقول: إنك مُلزم بأن تقيم من يحج عنك، وحينئذٍ نقول: حتى لو كان الإنسان عاجزًا عجزًا لا يُرجَى زواله فإنه لا يُقيم من يحج عنه نافلة.

لكن بعض العلماء رحمهم الله توسع في هذا، وقال: إذا كان يجوز له أن يستنيب في الفريضة جاز أن يستنيب في النافلة، وعلى هذا فإذا كان عاجزًا عجزًا لا يُرجى زواله، فله أن يُوكِّل من يحج عنه، قالوا: لأن طلب الفريضة من الإنسان بدنيًّا أقوى وأشد من طلب النافلة، فإذا جاز التوكيل في الأشد؛ جاز التوكيل في الأخف، لكن هذا التعليل معارض بالتعليل الأول، وهو أن المطالب بالفريضة لا بد أن يأتي بها، إما بنفسه أو بنائبه.

وبعضهم أيضًا توسَّع وقال: النفل يجوز التوكيل فيه ولو كان قادرًا، وهذا من غرائب العِلم؛ لأن هذا لا يصح أثرًا ولا نظرًا، لا يصح أثرًا؛ لأنه لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أن أحدًا حج عن أحد نافلة، وأما نظرًا، فلأننا إن قلنا بالقياس على الفريضة، فالفريضة لم ترِد إلا في حال العجز عجزًا لا يُرجَى زواله.

وبعضهم أيضًا توسَّع توسعًا ثالثًا، وقال: يجوز أن يُوكِّل الإنسان في حج النفل ولو في أثنائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>