للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم انتقل المؤلف إلى مسائل مهمة في باب الوقف، فقال: (فصل: ويجب العمل بشرط الواقف) على من كان ناظرًا على الوقف، وسيأتي بيان من هو الناظر.

وقوله: (يجب) الوجوب هو اللزوم، والواجب هو الذي يثاب فاعله، ويستحق العقاب تاركه، وقوله: (بشرط الواقف) أي بما شرط من وصف أو قيد أو إطلاق أو غير ذلك، أو جهة، فلا يرجع في ذلك إلى رأي الناظر، بل إلى ما شرط الواقف، فيعمل به،

وليس هناك دليل لكن فيه تعليل؛ لأن الواقف أخرج ملكه عن هذا الموقوف على وصف معين، فلا يجوز أن يتجاوز به إلى غيره.

وظاهر كلام المؤلف أنه لا يجوز، ولو كان ذلك فيما هو أفضل، وهذه مسألة اختلف فيها العلماء؛ فمنهم من يقول: إن الواقف إذا شرط شروطًا في الوقف، ورأى الناظر أن غير هذه الشروط أنفع للعباد وأكثر أجرًا للموقف، فإنه لا بأس أن يصرفه إلى غيره.

أما الأولون فقالوا: إن هذا الرجل أخرج ملكه عن هذا الوقف على وجه معين، فلا يجوز أن نتصرف في ملكه إلا حسب ما أيش؟ إلا حسب ما أخرجه، ليس له الحق.

وأما الآخرون الذين قالوا بالجواز فيقولون: إن أصل الوقف للبر والإحسان، فما كان أبر وأحسن فهو أنفع للواقف وللناس.

واستدل هؤلاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل عام الفتح وقال: يا رسولَ اللهِ، إني نذرتُ إنْ فتح الله عليك مكةَ أن أُصليَ في بيت المَقْدِس، فقال: «صَلِّ هَاهُنَا» فأعاد عليه، فقال: «صَلِّ هَاهُنَا» فأعاد عليه، فقال: «صَلِّ هَاهُنَا»، فأعاد عليه، فقال: «شَأْنَكَ إِذَنْ» (٢).

والوقف شبيه بالنذر، فإذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أجاز للناذر أن ينتقل إلى الأفضل، فالواقف كذلك، وهذا القول هو الصحيح، أنه يجوز أن يغير شرط الواقف إلى ما هو أفضل ما لم يكن الوقف على معين، فإن كان الوقف على معين فليس لنا أن نتعدى، يعني لو قال: وقف على فلان لا يمكن أن نصرفه إلى جهة أفضل؛ لأنه عين، فتعلق حق الخاص به، فلا يمكن أن يغير أو يحول.

<<  <  ج: ص:  >  >>