للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوكَلَت الأمر إلى مَنْ؟ إلى حكم الله ورسوله، ولم تقل: لأن الصلاة تتكرر، والصيام لا يتكرر، وما أشبه ذلك مما ذكره الفقهاء؛ لأن المؤمن إذا قيل له: هذا حكم الله، فهذه الحكمة: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦].

فالحاصل أن الأحكام التي لا تُعلم حكمتها تسمى عند العلماء تعبُّدية، يعني الواجب علينا أن نتعبَّد بها لله مع اعتقادنا أن لها حكمة ولا بد، لكن لقصورنا أو لتقصيرنا في طلب الحكمة صِرْنَا لا نعرفها.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بل لذلك حكمة، أما المحجوم فالحكمة من كونه يُفْطِر هو أنه إذا خرج منه هذا الدم أصاب بدنه الضعفُ، الذي يحتاج معه إلى غذاء لترتد عليه قوته؛ لأنه لو بقي مثلًا إلى آخر النهار على هذا الضعف فربما يؤثر على صحته في المستقبل، فكان من الحكمة أن يكون مُفْطِرًا، ووجه ذلك أن الحجامة للصائم -إذا قلنا بأنها تُفَطِّر- لا تجوز في الفريضة إلَّا عند الضرورة، فإذا جازت للضرورة جاز له أن يُفْطِر، وإذا جاز له أن يُفْطِر جاز له إيش؟ جاز له أن يأكل، وحينئذ نقول: احتجِمْ وكُلْ واشرب من أجل أن تعود إليك قوتك وتَسْلَم مما يُتَوَقَّع من مرض بسبب هذا الضعف.

وعلى هذا فالقول بتفطير الصائم بالحجامة من مصلحة الصائم، أليس كذلك؟ من مصلحته، لماذا؟ لأننا نقول: إذا كان صومه فرضًا فإنه لا يجوز أن يحتجم إلَّا للضرورة، فإذا اضطُرَّ إلى ذلك وحَجَم قلنا: الآن أفطرت بعذر شرعي، وإذا أفطرتَ بعذر شرعي فَكُلْ حتى ترتدَّ عليك القوة، وعلى هذا فذلك من مصلحته، أما إذا كان الصوم نفلًا فالأمر واضح فيه، والصائم نفلًا له أن يخرج من صومه بدون عذر، لكنه يُكْرَه لغير غرض صحيح.

إذن صارت الحكمة بالنسبة للمحتجم ظاهرة أو غير ظاهرة؟

طلبة: ظاهرة.

الشيخ: ظاهرة، الحكمة بالنسبة للحاجم؟

<<  <  ج: ص:  >  >>