للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكمة بالنسبة للحاجم يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: إن الحاجم -عادة- يمص القارورة -قارورة الحجامة- وإذا مَصَّهَا فإنه بالضرورة سوف يصعد الدم إلى فمه، وربما من شدة الشفط ينزل الدم إلى بطنه من حيث لا يشعر، وهذا يكون شُرْبًا للدم، فيكون بذلك مُفْطِرًا، يقول: هذا هو الغالب، ولا عبرة بالنادر.

ولا أدري هل تعرفون قوارير الحجامة؟ قوارير الحجامة عبارة عن قارورة من حديد يكون فيها قناة دقيقة، يَمُصُّها الحاجمُ، ويكون في فمه قطنة من حين ما يمصها يسدها بهذه القطنة؛ لأنه إذا مصها تَفَرَّغ الهواء، وإذا تَفَرَّغ الهواء فلا بد أن يجذب الدم، ولهذا إذا جذب الدم ثم امتلأت القارورة سقطت، وأما ما دامت لم تمتلئ فهي باقية.

يقول: لا بد أن يصل إلى الحاجم شيء من هذا الدم من غير شعور، والحكمة إذا كانت غير منضبطة فإنه يؤخذ بعمومها، ولهذا قال: لو أنه حَجَم بآلات منفصلة لا تحتاج إلى مَصّ فإنه لا يُفطِر بذلك، أما الذين يقولون أنه تعبُّدي فيقولون: إن الحاجم يُفْطِر ولو حجم بآلات منفصلة؛ لعموم اللفظ.

فعلى كل حال فالذي يظهر لي -والعلم عند الله- أن ما ذهب إليه شيخ الإسلام أَوْلَى؛ أن نقول: أن الإنسان إذا حجم بطريق بطريق غير مباشر ولا يحتاج إلى مصه فلا معنى لأن نقول بأنه مفطر، والأحكام الشرعية يُنْظَر فيها إلى العلل الشرعية.

وقلت لكم: إن العلماء مختلفون في هذه المسألة، والقول بأن الحجامة مُفَطِّرة هو مذهب الإمام أحمد -رحمه الله- وهو منفرد به عن المذاهب، وانفراد الإمام أحمد عن المذاهب لا يعني أن قوله ضعيف؛ لأن المسألة ما هي بالأكثرية كمجالس الناس اليوم، المسألة تعود إلى ما دَلَّ عليه الشرع، وإذا انفرد الإمام أحمد -رحمه الله- بقول دل عليه الشرع فإن الجماعة معه، وله -يرحمه الله- مُفْرَدَات منظومة شرحها الشيخ منصور بن يونس البَهُوتِي، من أراد أن يرجع إليها فهي مفيدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>