للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما على ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية -وهو أن علته معقولة معلومة- فيقول: إن الفَصْد والشَّرْط يُفسِدان الصوم، وكذلك لو أَرْعَفَ نفسه، لو أَرْعَفَ نفسه حتى خرج الدم من أنفه فإنه يُفْطِر بذلك، وقوله -رحمه الله- أقرب إلى الصواب.

وأما مغالاة العامة الآن بحيث إن الإنسان لو استاك وأَدْمَت لِثَتُه قالوا: أفطر، ولو حَكَّ جلده حتى خرج الدم من حِكَّتِه قالوا: أفطر، ولو قلع ضرسه وخرج الدم قالوا: أفطر، ولو أَرْعَفَ بدون اختياره جاؤوا يسألون: هل يُفْطِر أو لا يُفْطِر؟ كل هذه مبالغة، فقلع الضرس لا يُفْطِر ولو خرج الدم؛ لأن قالع ضرسه لا يقصد بذلك إخراج الدم، وإنما جاء خروج الدم؟

طالب: تبعًا.

الشيخ: تبعًا، وكذلك لو حك الإنسان جلده، أو لو بَطَّ الجَرح حتى خرجت منه المادة العفنة كل ذلك لا يضر.

بقي علينا الشرطان اللَّذَان ذكرهما المؤلِّف، أن يكون إيش؟

طلبة: عامدًا.

الشيخ: (عامدًا ذَاكِرًا)، ما هو الدليل؟

نقول: أما اشتراط كونه ذاكِرًا فدليله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ» (٦).

وقوله: «وَهُوَ صَائِمٌ»، يشمل الفريضة والنافلة، «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ».

وانظر الحديث: «أَطْعَمَهُ اللهُ» فلم ينسب الفعل إلى الفاعل، بل إلى الله؛ لأنه ناسٍ، لم يقصد المخالفة، ولم يقصد المعصية، فلهذا نُسِب فعله إلى مَن أنساه وهو الله عز وجل، هذا دليل واضح، وهو دليل خاص.

ولدينا دليل عام؛ قاعدة شرعية من أقوى قواعد الشريعة وهي قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦]، فقال الله تعالى: قَدْ فَعَلْتُ (٧)، فصار في النسيان دليلان: عام وخاص.

<<  <  ج: ص:  >  >>