للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قال قائل: هذا الرجل عرفنا الدليل، لكن ما هو الدليل على وجوب الكفارة على المرأة؟ والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يذكر في هذا الحديث أن على المرأة الكفارة، مع أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يمكن، يعني لا يمكن أن يؤخر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيان الحكم مع دعاء الحاجة إليه؟

فالجواب عن هذا أن يقال: إن هذا الرجل استفتى عن فعل نفسه، والمرأة لم تَسْتَفْتِ، وحالها تحتمل أن تكون معذورة ومُكْرَهَة، وتحتمل أن تكون مُطاوِعة، فلمَّا لم تأتِ وتَسْتَفْتِ سكت عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يذكر أنَّ عليها كفَّارة، والاستفتاء لا يُشترط فيه البحث عن حال الشخص الآخر، ولهذا لَمَّا جاءت امرأة أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم تشتكيه بأنه لا يُنْفِق لم يطلب أبا سفيان ليسأله، بل أَذِن لها أن تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي ولدها.

فإذا قال قائل: ما الدليل على الوجوب؟ أليس الأصل براءة الذمة؟

قلنا: الدليل على ذلك أن الأصل تَسَاوِي الرجال والنساء في الأحكام إلَّا بدليل، ولهذا لو أن رجلًا قذف رجلًا بالزنا لجُلِد ثمانين جلدة إذا لم يأت بالشهود، مع أن الآية في النساء: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤]، فالأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام الشرعية إلَّا بدليل.

فإذا قال قائل: ظاهر كلام المؤلف أنه لو كان الرجل هو المعذور بجهل أو نسيان فإنَّ الكفارة لا تسقط عنه؟

قلنا: نعم، هذا ظاهره؛ لقوله: (أَوْ كَانَتِ المرأةُ معذورةً) ففُهِم منه أنه لو كان الرجل هو المعذور فإنَّ الكفارة لا تسقط عنه، وهذا هو المشهور من المذهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>