للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال المؤلف: (بَابُ عَقْدِ الذِّمة وأحكامها)

الذمة: هي العهد، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بُرَيْدَة بن الحُصَيْب: «إِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوا أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ، فَإِنَّكُمْ إِنْ تَخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تَخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ (٨)، وعلى هذا فالذمة معناها العهد، ولكن ما معنى الذمة هنا؟ هل هي العهد السابق؟

نقول: لا، بينهما فَرْقٌ، العهد السابق الذي هو الهدنة نعاهد الكفار وهم في أرضهم، مستقلون عن المسلمين، ليس لنا من شأنهم شيء إلَّا وضع القتال، أما هؤلاء فإنهم يُقَرُّون على كفرهم في بلادنا، بشرط -يقول- أخذ الجزية والتزام أحكام الملة، كما قال الشارح: (معنى عقد الذمة: إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملة)؛ ما هو التزام الملة؛ لأنهم لو التزموا الملة لكانوا مسلمين، لكن التزام أحكام الملة، أي: ما حَكَمَتْ به الشريعة الإسلامية عليهم.

قال المؤلف: (لاَ يُعْقَدُ لغَيْرِ المجُوسِ وَأَهْلِ الكِتَابَيْنِ وَمَنْ تَبِعَهُم)، (لاَ يُعْقَدُ لغَيْرِ المجُوسِ) المجوس: هم الذين يعبدون النار، وهم مشركون، لكنهم طائفة مستقلة عن الشرك العام بخصائص معروفة في دينهم، هؤلاء يُعْقَدُ لهم، ودليل ذلك: أنه ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هَجَر (٩)، هَجَر: هي الأحساء، كان فيها مجوس؛ لأنها بجانب أرض الفرس، فكان فيها مجوس، فأخذ منهم النبي صلى الله عليه وسلم الجزية، ومعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا أخذ الجزية فهي شريعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>