للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (وَإِقَامَةِ الحُدُودِ عَلَيْهِمْ فيِمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيْمَهُ دُونَ مَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ) الحدود -وهي العقوبات المقدرة شرعًا في معصية- يجب إقامتها -كما مر علينا- أليس كذلك؟ مر علينا في بلوغ المرام أن إقامة الحدود واجبة، فرض كفاية، والمطالب بها الإمام، فهؤلاء الذِّمِّيُون إذا فعلوا ما يوجِب الحد: إن كانوا يعتقدون التحريم أقمنا عليهم الحد، وإن كانوا لا يعتقدونه فإننا لا نقيم عليهم الحد، فالزنا -مثلًا- يقام عليهم الحد فيه؛ لأنهم يعتقدون تحريمه، فإذا ترافعوا إلينا في قضية في الزنا فإنه يجب علينا أن نحكم عليهم بمقتضى الإسلام: إذا كانوا مُحْصَنِين فالرجم، وإن كانوا غير مُحْصَنِين فالجَلْد والتغريب، إذا قَدَّرْنا أنهم يعتقدون التحريم لكن لا يعتقدون إقامة الحد فهؤلاء نقول: إن ترافعوا إلينا ألزمناهم بحكم الإسلام، وإن لم يترافعوا إلينا تركناهم وشأنهم، مع أن حَدَّ الزنا ثابت حتى في التوراة والإنجيل، ودليل ذلك ما ورد في قصة عبد الله بن صوريا الذي زنا بامرأة يهودية وترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجيء بالتوراة فإذا فيها آية الرجم (٢).

وقوله: (دُونَ مَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ) مثل الخمر، الخمر يعتقد أهل الكتاب أنه حلال، فإذا جيء إلينا بسكران من أهل الذمة فإننا لا نقيم عليه حد الخمر، حتى وإن قلنا: إن عقوبة شارب الخمر حد فإننا لا نقيم عليه الحد، لماذا؟ لأنه يعتقد حِلَّه، والذي يعتقد حِلَّ الشيء كيف يعاقَب عليه؟ لا يعاقَب، لكن سيأتي أنهم يُمْنَعُون من إظهار شرب الخمر، فإن أظهروا ذلك فإننا نُعَزِّرهم بما يردعهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>