للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختار بعض أهل العلم أنه يجوز أن يباع لمكان أصلح سواء مناقلة أو بيعًا، ثم يؤخذ الثمن ويُشترى به، فالمناقلة أن تبادل هذه الدار بدار أخرى أنفع؛ هذا مناقلة، والبيع أن تبيع الدار، ثم تشتري بثمنها ما هو أنفع، وهذا القول هو الصحيح أنه يجوز بيع الوقف ليُنقل إلى ما هو أنفع، ولكن نظرًا لأن الناس تغيرت أحوالهم وضعفت أمانتهم فإنه لا يجوز الإقدام على ذلك إلا بمراجعة المحكمة؛ لأننا لو نقول بالجواز لتلاعب الناس بالأوقاف، وصار كل إنسان لا يرغب أن يكون في هذا الحي يبيع الوقف، ويشتري في حي آخر، ومعلوم أنه إذا بِيع الوقف واشتُري بدله في حي آخر معلوم أنه ينقص كيف ينقص؟ لأنك إذا بعته صار مجلوبًا، وإذا اشتريت بدله صار مطلوبًا، والمعروف أن المجلوب تنقص قيمته، والمطلوب تزيد قيمته، فأنت إذا فعلت مثلًا إذا قدرنا أنت مثلًا بعت هذا بمئة ألف، فإنك لن تشتري مثله بمئة ألف؛ لأنك بعته مجلوبًا وتريد أن تشتري لا تجد مثله إلا بمئة وعشرة، إذن لا بد أن تشتري أقل منه بمئة.

ولهذا نقول: إنه لا يجوز البيع إلا إذا كان فيه مصلحة، فإذا علمنا أن فيه مصلحة فالصحيح أنه يجوز، وإن لم تتعطل منافعه، ودليل ذلك أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة فقال: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس. قال: «صَلِّ هَاهُنَا». فأعاد عليه قال: «صَلِّ هَاهُنَا» فأعاد عليه، قال في الثالثة أو في الرابعة: «فَشَأْنَكَ إِذَنْ» (٦). فكون الرسول صلى الله عليه وسلم يأذن له أن يصلي ما نذر في المسجد الحرام بدلًا عن المسجد الأقصى يدل على أنه إذا فعل الإنسان الأكمل جاز، وأنت إذا نقلت الوقف إلى ما هو أصلح مع بقاء منافعه فهذا كالصلاة في المسجد الحرام دون الصلاة في المسجد الأقصى، وهذا قياس في غاية ما يكون من المطابقة والموافقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>